في التاسعة من صباح الجمعة 25 أيار عام 1923.. كيف احتفل الأردنيون بإعلان تأسيس واستقلال الأردن الحديث..؟

 

       بمناسبة عيد الاستقلال وعلى غير عادتي رأيت هذا العام أن أتناول موضوع الاستقلال بالعودة إلى الوراء إلى الساعة التاسعة من صباح الجمعة الخامس والعشرون من أيار لعام 1923 لأنقل للقارئ الكريم كيف احتفل الأردنيون في ذاك اليوم بإعلان استقلال الأردن الرسمي.

 

       إن الوثيقة المكتوبة والتي من خلالها سنعود إلى ذلك اليوم هي الجريدة الرسمية لحكومة "شرقي الأردن" حيث العدد الأول منها الصادر بتاريخ: 28/أيار/1923 (صدر هذا العدد مطبوعاً على شكل ستانسل), وكانت تحمل اسم "الشرق العربي" حيث خصص هذا العدد لسرد تفاصيل الاحتفال بإعلان الاستقلال برئاسة سمو الأمير عبد الله ابن الحسين, وهو الاحتفال الأول في تاريخ الأردن الحديث, وفيما يلي بعض التفاصيل لما جرى في ذلك الوقت من احتفال ومن شخصيات شاركت فيه:

 

§        الوفود المشاركة:

           كان هنالك وفد فلسطيني مكون من (حسب ما ورد في الشرق العربي) سعادة موسى كاظم باشا الحسيني رئيس الوفد, وفضيلة الأستاذ الشيخ عبد القادر المظفر رئيس الوفد الفلسطيني الحجازي, والفاضل الغيور عوني بك عبد الهادي الذي قدم مع أحمد قدري بك (الطبيب الخاص لجلالة الملك الحسين بن علي ملك العرب والحجاز) يرافقهما الشاب الناهض رياض بك الصلح.

 

§        الصحفيون:

           السيد إبراهيم سليم النجار صاحب (لسان العرب) المقدسية, ومن دمشق الكاتب الفكاهي السيد توفيق جانا والسيد عبد الهادي اليازجي رئيس تحرير جريدة (العمران), ومندوب خاص من قبل جريدة (ألف باء).. ومن فلسطين خصيصاً جاء فخامة المندوب السامي السير هربرت صموئيل مع الليدي عقيلته وسكرتيره المدني العام الجنرال كلايتون.

 

§        كبار الشخصيات:

           من الأسماء التي كانت تتمتع بمراكز رفيعة ذكرت "الشرق العربي" هؤلاء حسب هذه المراكز: رئيس المستشارين مظهر باشا رسلان, نجلا الأمير عبد الله (سمو الأمير طلال وسمو الأمير نايف), كبير المرافقين سعادة حامد باشا الوادي, والفيلسوف المعروف رضا توفيق بك, رأس المعتمدين البريطانيين المستر فيلبي وعقيلته ومعاونه المستر طمس وقائد قوى الطيران العام والمستر بل مدير السكة الحجازية.

 

§        الاحتفال:

           في البداية, افتتح الاحتفال بخطاب سمو الأمير تلاه بالنيابة رئيس الديوان الأميري محمد بك الأنسي, هذا وقد جاء في خطاب سمو الأمير بالإضافة لمروره على التاريخ العربي المجيد أيام الأمويين والعباسيين والأندلسيين والفاطميين ومن ثم النكوص ثم الحرب العالمية الأولى واعتراف الحكومة البريطانية بالمملكة العربية الفتية, وكذلك شروع الحكومة في إعداد القانون الأساسي للمنطقة وتعديل قانون الانتخابات بما يوافق روح البلاد وطبيعتها وبيئتها, وبعد ذلك قرأ رئيس الديوان خطاب المندوب السامي في فلسطين باسم جلالة ملك بريطانيا العظمى بترجمته العربية, ولقد أورد في خطابه نص الاتفاق بين الأمير عبد الله والملك جورج والحكومة البريطانية هذا نصه: (تعترف حكومة جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرقي الأردن برئاسة سمو الأمير عبد الله بن الحسين, شرط أن توافق جمعية الأمم على ذلك وأن تكون حكومة شرقي الأردن دستورية تمكن حكومة جلالة الملك من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بتلك البلاد وذلك بواسطة اتفاق يعتمد بين الحكومتين).

 

       وتلا ذلك خطاب سماحة قاضي القضاة الشيخ سعيد أفندي الكرمي اتبعه بأبيات شعرية من نظمه, ثم أطلق من القلعة واحد وعشرون مدفعاً في الوقت الذي كانت تحلق في سماء المقر العالي ثلاث طائرات بريطانية (علامة المشاركة بعواطف الولاء, مطلقة أجنحتها لريح النبوغ الإنساني المهيب).. وعلى اثر ذلك أعلن فخامة رئيس المستشارين بأمر سمو الأمير المعظم العفو العام عن السجناء المحكومين بما فيهم (محكومي الكورة وكبيرهم كليب الشريدة).. ثم تسلم الأمير العلم العربي من ثلة من الجند بقيادة ضباط الجيش في الوقت الذي لقن ناظر المقر العالي ومدير التشريفات سعادة غالب باشا الشعلان وبصوته الجهوري يمين الإخلاص للعلم جميع الضباط والجنود.. وهكذا تم استعراض الجيش النظامي تلاه ركوب سمو الأمير لسيارته الخاصة بموكبه الفخم إلى باحة المقر الكبرى حيث جرى استعراض فرسان الخاصة بقيادة الأميرين طلال ونايف يصحبهما الأمير شاكر بثوب البسالة البدوية, وقد جرى استعراض عشائر العدوان البدوية بقيادة ماجد باشا العدوان.. ثم عاد سمو الأمير إلى بهوه العالي لقبول المهنئين حسب البرنامج الرسمي الذي أذاعته الحكومة وقامت على تنفيذه: ناظر المقر العالي ومدير التشريفات مع رئيس أركان حرب القوة السيارة, وهكذا أخذت تفد جماعات المهنئين على الترتيب التالي: سمو نائب العشائر وهيئة المستشارين, رئيس المستشارين الأسبق ورئيس الديوان السابق ومعاون نائب العشائر, الأركان والأمراء والضباط العسكريون, مديرو ورؤساء الدوائر, هيئة المجلس البلدي "بلدية عمان" وهيئة المجلس الإداري مع حاكم المركز, أعيان ومشايخ المركز والملحقان الموجودان بالمركز..

 

       .. وهكذا وبعد أن تمت خطوة التهنئة حسب برنامج الاحتفال قام الخطباء والشعراء بإلقاء ما عندهم بهذه المناسبة وكانوا: الأستاذ الشيخ عبد القادر المظفر "خطاب", الأستاذ الفاضل الشيخ مصطفى الغلاييني "قصيدة", الفاضل الشيخ نسيب الخطيب "قصيدة", ثم خطاب السيد محمد الشريقي مدير جريدة "الشرق العربي" جاء فيه:

 

       ( ..أيتها الحرية, ما أنت إلا كلمة إنما عروس الشاعر ومستقر إبداع وطمأنينة الحكيم, إنما أنت بهجة المجتمع ونور العمران ومبعث نجاة الأمم, أطلي أطلي على هذا الوطن العربي الجديد وحي وحي هذه الجبال والسهول والأنهار والصحارى المبتهجة بجمال الطبيعة وثرائها, هذه الآثار والمدافن والطلول الناطقة بعظمة السلف, هذه الأمة العربية الشرقية المتعطشة إلى الحرية ورفع لواء السلام والمدنية, هاهي بشائر الاتحاد العربي تعزف أبواقها وتتجاوب أصداؤها هاهي المظلمة تنقشع رويداً رويداً عن سماء الوطن الصافية ليتبين للعرب مهمة التعمير التي ينتظر العالم منهم أدائها ثم إتقانها وإحسانها).. وبعد ذلك تم إعلان ختام الحفل, ونهض سمو الأمير بموكبه الفخم يريد الجامع الحسيني الكبير, فأدى صلاة الجمعة, ثم بعد ختام الفريضة عاد إلى المقر "الديوان الأميري" بالإجلال والإعظام.

moeenalmarashdeh@yahoo.com