الهوس باستطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية

 

قد لا نجد موسماً تنشط فيه قياسات الآراء مثل الانتخابات، فهي فرصة ذهبية مغرية للمراكز التي تنتج هذه الأرقام وينتظرها الكثيرون بغض الطرف عن مصداقيتها والثقة بها، حتى إن بعض الجهات لا تهتم بإجراء استطلاعات رأي إلا بالشأن الانتخابي، فضلاً عن الهوس بها من قبل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، التي يغلب على الأخيرة السطحية وعدم المهنية.

تشكل الانتخابات الأمريكية هوساً أكثر من غيرها باستطلاعات الرأي، حتى إن أحد العاملين باستطلاع الرأي كتب «الانتخابات تجعل استطلاعات الرأي مجنونة»؛ فهي تعد نموذجاً فريداً في إنتاج بيانات استطلاعية هائلة في فترة الانتخابات، وربما لا نجد لشعوب العالم صوتاً عن نتائج استطلاع رأي كما يتحدثون عنها، ويتناقلون أرقامها وانخفاضها وارتفاعها، وكأنها بورصة مالية توثر على جيوبهم، حتى وصل الأمر ببعض الجهات الاستطلاعية إلى طرح سؤالاً في استطلاعات رأي 45 شعباً من سكان العالم «اذا كنت ستصوت في الانتخابات الأمريكية، لمن ستصوت؟» ضمن مشروع Win_Gia Global poll on Us election .

على المستوى الإعلامي فالأمر أشد، لاسيما كلما اقترب موعد يوم الاقتراع، حيث تكررت كلمة «استطلاع» في أكثر من 11 ألف موضع، وهو ما تمَّ رصده في انتخابات أمريكية سابقة.

كما أن هذا اليوم ساهم في ابتكار ما يسمى بـ»استطلاع يوم الانتخاب»، أو الخروج من الاقتراع Exit Pollوهو في جانب من الجوانب يعكس السبق الإعلامي، وكسب المزيد من القرَّاء كما هو معروف تاريخياً. وبرغم أن الحديث عن نتائج استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية يأخذ زخماً كبيراً من الاهتمام لدى كل المستويات، إلا أن فهمها، وكيفية استخراج المتوسط الحسابي، والتعامل مع الأرقام الدقيقة لما يزيد على ثلاثين جهة تنفذ هذه الاستطلاعات، لتوَقُّعِ صاحب الفرصة الأكبر بأن يكون رئيساً للولايات المتحدة؛ فيها من الجوانب الدقيقة التي قد لا يدركها الكثيرون، ولكن الأهم أن مسيرة التنبؤ بنتائجها شاهد على دقتها -منذ عدة عقود- بغض النظر عن إخفاقات تاريخية، كان لها أسبابها ومبرراتها، وأيضاً دروسها للأكاديميين والممارسين والباحثين.

ثمة استخدامات عديدة لاستطلاعات الرأي في الانتخابات -لا مجال لذكرها- أعلاها التأثير على الناخب، وأدناها ترف القراءة وكمادة مطلوبة للنشر، ولكنها تبقى ظاهرة قوية وفريدة من نوعها تقدم في طياتها دروساً جديدة في كل مرة، ومنها هذه المرة التي جلبت شخصية مثل دونالد ترامب، وجعلت لأول مرة «وحدة استطلاعات الرأي في صحيفة الواشنطن بوست» تعلن انحيازها لهيلاري كلينتون بشكل غير مألوف!

ستبقى هذه الأرقام المتناثرة التي نتناقلها بجنون حول الانتخابات الأمريكية، تعكس في جانب من جوانبها حالة ضعفنا، وترقب الآخرين أمثالنا لمن سيقود أكثر دولة مؤثرة في العلاقات الدولية بالعالم!