العالم حبس أنفاسه.. لماذا ؟


« انتخبت هيلاري كلينتون.. اخترت السيئ لأنني لا اريد اختيار الأسوأ « هذا ما قالته سيدة اميركية متقدمة لدى خروجها من مركز الاقتراع لمندوب الفضائية الأميركية. ولكن المفأجاة حدثت ، واختارت غالبية الشعب اميركي رئيسها ، ففاز رونالد ترامب فوزا كاسحا ، على عكس نتائج كل الاستطلاعات والتوقعات التي سبقت يوم الاقتراع.

منذ بدء ظهور النتائج الأولية كان ترامب يتقدم بشكل مقلق للكثيرين، وكان العالم كله يحبس انفاسه. ومع تقدم ترامب التدريجي بدأت المؤشرات الاقتصادية العالمية تتحرك نحو الهبوط ، وفي المقدمة اسعار النفط واسعار الأسهم في البورصات القلقة. لقد اوقف ترامب العالم على رجل واحدة وكأننا على مشارف حرب عالمية.. لماذا ؟!

يجب ان لا يغيب عن بالنا أن المجتمعات الغربية تتحرك باتجاه اليمين المتعصب ، وأن المجتمع الأميركي يتحول نحو اليمين المحافظ ايضا ، وقد لاحظنا من خلال نتائج الاقتراع في الانتخابات الأميركية ، أن ولايات الجنوب التي تعيش في اجواء التعصب والتمييز العنصري تاريخيا ، كانت متحمسة ومجيرة لترامب بشكل حاسم.

فاز ترامب رغم معاداته للصحافة ووسائل الاعلام الأميركية التي كانت منحازة في العلن لصالح هيلاري كلينتون، ورغم اعلانه سياسة متشددة تجاه الهجرة ، اضافة الى استفزازه المسلمين والعرب، حتى أنه لم يوفر النساء من فظاظته والالفاظ المسيئة. كل ذلك يثبت ويؤكد التوجه المتطرف والعنصري المتشدد للمجتمع الأميركي ، الذي دعم فوز المرشح اليميني.

صحيح ان ترامب هو الرئيس الجديد للولايات المتحدة ، وهو القائد الأعلى للجيش والبحرية الأميركية ، ولكن يجب ان لا ننسى انه رئيس الادارة في دولة عظمى تحكمها المؤسسات. وعلى الرغم من كل ذلك فالرئيس القوي يكون قادرا على ترك بصمات واضحة في ادارة الدولة والحكم حسب برنامج مسبق يعده فريق من الخبراء والمستشارين في الحزب والدولة وادارة الرئيس في البيت الأبيض.

ومن حظ الرئيس المنتخب الجديد ، أن الأكثرية في مجلس النواب والشيوخ هي لصالح الحزب الجمهوري ، وقد تكون الأكثرية الى جانبه ، ولكن ليس بالضرورة أن تقف الأكثرية الى جانبه في كل القضايا ، لأن الرئيس ترامب لا يشبه الا نفسه ، وهو يشكل طرازا جديدا فريدا غير مسبوق في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة ، والأهم ان لا أحد يستطيع التكهن بردود افعاله تجاه القضايا التي ستواجهه.

لذلك نلاحظ ان معظم الدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة غير مرتاحة ، فهي غير قادرة على التكهن بقرارات الرئيس الجديد ، وخصوصا الدول الأوروبية ، والدول التي يتشكل منها حلف الناتو. فقد سمعنا ترامب في تصريحاته الأخيرة، وخلال جولاته الانتخابية يقول إن الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن حماية الدول الصديق والحليفة دون مقابل، وهذا الموقف ازعج الكثيرين في اوروبا والناتو والقارات الأخرى.

بهذه المناسبة، ورغم كل ما نقوله اليوم وغدا، يجب عدم الاستعجال في اصدار الأحكام ، أو المبالغة في التحليل والاستنتاج ، لأن ترامب الرئيس القابع في البيت الأبيض، هو غير ترامب ، المرشح الذي شرّق وغرّب ، واطلق سهامه في كل اتجاه ، لأنه رئيس دولة عظمى لها علاقاتها ومصالحها ومؤسساتها. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية خاصة، والقضايا العربية عامة ، هو يمثل الحزب الجمهوري اليميني المحافظ وسياسته المتشددة المنحازة الى جانب اسرائيل ومصالحها، كما يمثل الأدارة الأميركية بسياستها الخارجية المعادية، ونحن العرب ، لم يعد لدينا ما نخسره، فقد شاهدنا أسوأ ما لدى الولايات المتحدة.