تعليم أم تربية؟

 

كشف الجدل النظري المحتدم وأشكال الاحتجاج المادي حول قضية تعديل بعض نصوص الكتب المدرسية عن جبهة أخرى أكثر خطورة وتعقيدا يواجهها مجتمعنا الاردني بكل مكوناته. فأي تعديل أو تغيير في النصوص المدرسية أو المناهج خاضع للمراجعة وقابل للتعديل مرة أخرى وأخرى.

لكن الوجه الاخر غير المريح بل القبيح جدا الذي كشف عنه هذا الجدل والتجاذب مرتبط بجوهر مفهوم التربية. و قد يكون من المفيد ان نبدأ بالتمييز بين التعليم وبين التربية ، وان نكف عن الخلط بينهما وكأنهما شىء واحد. فهناك عدد لا بأس به من الناس ومن بينهم كتاب ومعلقون يخلطون بحكم العادة والتسليم بين الموضوعين دون الاستفادة من أية اشارات ارشادية أو تحذيرية.

فمفهوم وأساس التعليم بني بالأصل على مبدأ محو الأمية عند الاطفال والتلاميذ لكي يتسلحوا بسلاح القراءة والكتابة ليتمكنوا بعدها من فهم واستيعاب المواضيع الاخرى كالرياضيات والجغرافيا والدين والعلوم والتاريخ وغيرها من المساقات المدرسية ، وصولا الى مرحلة الاحاطة بها بدرجة كافية ، ليتمكنوا من اختيار تخصصاتهم في المراحل الجامعية اللاحقة. هذا ما نفعله ايضا مع كبار السن الذين فاتهم قطار التعليم في صغرهم ، ولكن بخيارات محدودة امامهم.

أما التربية فمنبعها ومنبتها ومنشأها حصريا هو الأسرة والبيت. والمدرسة ان هي الا بيئة حاضنة اضافية مثل الشارع والحارة ، قد تكون صديقة وقد تكون طاردة ، لممارسة وتطبيق مبادىء وأصول التربية التي يتعلمها الطفل في بيته قبل ان يبلغ سن الالتحاق بالمدرسة. وكم من الامهات والاباء يصدمون عندما يتفوه أطفالهم بعبارات خادشة وكلمات بذيئة ويقومون بسلوكيات مرفوضة التقطوها من أقرانهم سواء في الحارة أو في المدرسة. فاذا كان الطالب محافظا على نظافته وأخلاقه وسلوكه وواجباته في المدرسة فذلك بفضل التربية التي يدربها عليها أهله في البيت ، وهنا تقوم المدرسة ممثلة بمديرها ومعلميها بمكافأة هذا الطالب على ذلك أمام أقرانه في الصف وتشجعه. لكن المدرسة لا يمكنها القيام بدور البديل عن الاسرة تحت أية ظروف.

من ناحية اخرى يمكن مقاربة العلاقة بين التعليم والتربية مع أنماط أخرى من العلاقات بين افكار ونشاطات الانسان التي تساعده على المحافظة على بقائه وتوازنه وسعادته ، حيث لا يمكن لأحد طرفي العلاقة ان يقوم بدوره بشكل طبيعي في الحياة بدون الاخر. فالعلاقة بين النحل والعسل مثلا وبين الارض والمزارع وبين الرجل والمرأة وبين الحكومة والمواطنين وغيرها الكثير هي من انماط العلاقات التكاملية بين بني البشر أنفسهم من جهة وبين الانسان والبيئة المحيطة به من جهة ثانية هي التي تشكل هذه اللوحة العظيمة للحياة التي عرفناها منذ خلق الله الانسان على هذه الارض.

المشهد الاحتجاجي على موضوع مناهج الكتب المدرسية كشف عن أكثر من مشكلة وثغرة. فقد غاب اسلوب الحوار غيابا ملموسا أو تم تغييبه. ثانيا ان التربية الصحيحة هي اقصر الطرق نحو التعليم الناجح وليس العكس. وثالثا التطبيق الخاطئ للتربية من أجل طرح قضية حساسة ونبيلة تتعلق بالتعليم المدرسي.

اذا كان العلم والتعليم هما مسؤولية وزارة بعينها ، فان التربية هي من اختصاص الاسرة والبيت وأولياء الامور بالدرجة الاولى. فبدون الثانية لن تصلح الاولى.