مهنة المتاعب

ترى ما هي أخبار نقابتنا العتيدة؟ وأين وصلت في حماية المهنة والزملاء؟.. حسب علمي هي تبلي حسنا وتحاول..
كل يوم بنكتب هنا؛
في جريدتنا التي نعتز بأننا تلاميذ في صفوفها، نحاول اقتداء النهج القويم الذي خطه أساتذة محترمون بنوا هذه الصحيفة، وثبتوها في الوجدان الشعبي والوطني والمهني الأردني والعربي، ومضوا إلى مقصدهم مفعمين بالرضى والسكينة، فرحم الله من انتقلوا إلى جوار ربهم وأطال في عمر الذين ما زالوا قيد النقاء والمهنية ومحبة الوطن والناس والزملاء.
لا أعلم إن كان يحق لي التحدث عن خبرة خاصة اكتسبتها خلال «احترافي» لهذه المهنة، بعد أن كنت قبلها «انتقائيا» متطوعا او كاتبا لمقالة منتظمة في بعض اليوميات، وأستميحكم عذرا بالقول قليلا عما نعانيه والذي قد يكون سببه الحقيقة المعروفة المتمثلة في عدم فهم الرسالة الحقيقية لمهنة الصحافة المقدسة، والتي يقتنع بها بعضهم خصوصا من الذين انخرطوا في العمل العام، ولا يقبلون انتقادا ولا حقيقة ولا تقييما ولا رأيا للصحافة في أدائهم، فهؤلاء أصبحوا قلة الآن، ولا يمكنهم التأثير على الصحافة بعد أن اتسعت مساحتها وترسخت في ثقافة الناس، إلى الدرجة التي أصبحوا معها صحفيين، وهذه ربما الحقيقة الثانية التي تؤثر على دور الصحافة المهنية وتقلل من شعبيتها لدى القراء والمتابعين، فرواج فنون التواصل الاجتماعي الحديثة، التي تنطلق عبر الانترنت، أدت إلى خلط بين مفهوم حق التعبير المعروف والمحمي دستوريا، والذي يتمتع به كل مواطن أو بشري، وبين مهنة الصحافة، هذه التي لها نقابة تحميها، وتدافع عن حقوق ومكتسبات منتسبيها، ولديها تشريعات معروفة تنظم عملها وتبين واجباتها وحقوقها، فحرية التعبير أصبحت صحافة حسب وجهة نظر وقناعات بعضهم، وهم الذين لم يتمكنوا بعد من الالمام بحقيقة أن الصحافة مهنة ككل المهن الأخرى..
ومن بين المتاعب التي نتعرض لها بناء على حقيقة دورنا كصحفيين في جريدة لها تقاليدها وإرثها المهني والوطني، ولا يمكننا أن نكتب بغير المهنية حتى وإن رغبنا في هذا، فالمؤسسية والقوانين الصارمة هي التي تحكم عملنا في هذه الصحيفة، المسؤولة عن كل حرف ينشر فيها، مسؤولية أخلاقية مبنية على حقيقة أن الكلمة قد تكون أكثر تأثيرا من رصاصة، والفكرة قد تعجز جيوش ودول عن توصيلها إلى عقول الناس وقناعاتهم، فأخلاقيات المهنة هي التي تحدد سياسات النشر في هذه الصحيفة، ولا نستثني بالطبع حقيقة وجود أخطاء قد يقع فيها أشخاص ومسؤولون، فكلنا بشر نخطىء ونصيب ولنا اجتهاداتنا حتى في مهنة تحكمها أخلاق وقوانين.
يسهل أن نتهم الناس في أقوالنا، وكذلك يسهل على بعضهم اتهام الناس في كتاباتهم، لكن المهنة تقبل ثقافة الاعتذار عن الخطأ وتعظمها وتضمنها بقوانين وحقوق كحق الرد والتقاضي، وفي حالة صحيفتنا «الدستور» فإن الأخطاء من هذا النوع قليلة كما يلاحظ القراء والمتابعون، وهذا ما نعنيه بالمهنية والمؤسسية، فلو كانت الصحيفة تتعامل وفق ثقافة الانترنت و»عاداته»، لكانت سببا في انتاج أزمات ومشاكل بين الناس بسبب ارتفاع سقف ما ينشر فيها، لكنها نالت مصداقيتها عبر تاريخها لأن الذين يديرونها ويتولون مسؤوليتها أساتذة في المهنة، وفي الوطنية والموسوعية في فهم هذا المجتمع وهذه الدولة ومؤسساتها، وهذا بحد ذاته موروث خاص بالدستور يعرفه القارىء القديم والجديد، ويميزه عن غيره..
كثيرون من قرائي ومتابعيني يفهمون كتابتي بسهولة، وقلما يسقطون في فهم خاطىء لفكرتي من مقالة أكتبها في هذه الزاوية، وذلك على الرغم من نيتي في بعض المقالات أن أكتب بطريقة قابلة لقراءتين أو أكثر، وهذا أسلوبي الذي تميزت به هنا وفي غير المكان، وهو ربما طريقتي في التفلت من بعض الرقابات الضرورية، لكنه بالتأكيد لا ينطلي على أساتذة أكبر مني قدرا وخبرة وكفاءة ويعملون في هذه الصحيفة، لكنهم ينشرونه لأنهم يطمئنون بأنه مهني ولا تجاوز قانونيا فيه، وتهمهم رغبة القارىء ويحترمون عقله، لذلك هم ينشرون ويمنعون وحين نتعرض لهجوم من هنا أو هناك، فهم يدافعون عنا وعن موقف صحيفتهم..
لا أخفيكم خبرا بأنني ألجأ للكتابة في غير هذه الزاوية حين يكون سقف كلامي مرتفعا، ولا يمكن للصحيفة ان تحتمله او تدخل نفسها في ردود أفعال لا تتوافق مع خطها التحريري، وهذا الموضوع وعلى الرغم من أنه يحدث بعيدا عن زاويتي هذه وعن صفحات الدستور الا أنه متعب أيضا، وقد يكون فيه جانب من شخصنة تفرضها طبيعة الرأي الذي اكتب عنه وأحاول توصيله للقراء، لكنني في النهاية لدي منسوب متواضع من ثقافة سياسية ومهنية ولغوية وقراء، تتيح لي المجال بأن أكتب عن أية قضية دون خشية السقوط في الخطأ، ويعود السبب للمهنية التي اكتسبناها من خلال عملنا في أقدم وأعرق مدرسة صحفية أردنية «الدستور»..
نكتب هنا وفي غير المكان لأننا نؤمن بأهمية رسالتنا، ولا يمكننا أن نترك الرأي الخاطىء أن يستفحل ويبدد منظومة قيم وأمن ومكتسبات قانونية..ونحترم الرأي الآخر و»ننبطه» إن كان متجاوزا لثقافة الحوار وأخلاقياته.
ibqaisi@gmail.com