الجاعد

زمان من النادر أن تجد بيتا أردنيا, من دون (جاعد) ..لابد أن يكون موجودا على الممر أو بجانب (الفرشة) ..ولا بد من صوت تسمعه حين تمر من اسفل شباك الجيران وهو :- (فاطمه ناوليني الجاعد) ..


حاولت أن افهم أو أحدد استعمالات الجاعد, والمرة الوحيدة التي تم فيها استعمال الجاعد أمامي, كانت حين ذهبنا لزيارة (ابو محمود) وقد امتلأت الغرفة بعائلته إضافة لوجود مجموعة من الأقرباء وأنا لم أجد لي مكانا كي أجلس عليه. مما حدا بالرجل أن ينادي على عطية ويقول له :- (جيب الجاعد للولد خليه يقعد) ..فعلا تم إحضار الجاعد وجلست عليه, ولم يكن هناك فارق بين الجلوس على الجاعد أو على الأرض .

وذات مرة , كنت منبطحا على فرشتي , وكان الجاعد موجودا بجانبي ..تذكرت أنه كان يغطي جسد خروف, وتذكرت جدي كيف قام بسلخه تذكرت فيض الدماء التي سالت ...وكان يجب أن أحزن, ولكني لم أحزن لأنني قبل ذبح الخروف قمت بنتف نصف صوفه ..للأسف لم أكن طفلا حساسا أو مرهفا ..حاولت لحظتها أن أضيف لمسة إنسانية لحياتي عبر الجاعد لكن الجاعد لم يكن الوسيلة السليمة لذلك ..

ذات يوم قررت المدرسة إجراء يوم للنشاط , وطلبوا منا ومن قبيل تحفيز الطلبة على المشاركة أن نحضر معنا ملعقة وصحناً حتى نتبادل الطعام مع بعضنا البعض , وأنا أحضرت ملعقة وصحنا وأحضرت الجاعد ...وفرح الطلاب بذلك , ويومها كان هناك انحناء ترابي يشبه سفح جبل صغير في ساحة المدرسة ..وقد قررت مع طلاب الصف الخامس أن نحول الجاعد لأداة تفيدنا في مسألة التزلج ..وفعلا قاوم الجاعد كل ظروف الإحتكاك ..وأتذكر أننا جلسنا كلنا عليه, وانزلق كما يجب ..وقد أعدته للمنزل دون أن يتاثر مجرد ذرات من الغبار داهمت الصوف ..وذهبت فيما بعد .

فيما بعد صار الجاعد صديقي , وصرت اصطحبه معي للمدرسة واضعه اسفل المقعد واجلس عليه, وصرت أنسخ محفوظات اللغة العربية على الجلد واقوم بممارسة الغش بكل حرفية واتقان ..

الطلاب كانوا يذهبون للمدرسة بصحبة (مطرة ماء) أو كيس يحتوي على السندويشات ..وأنا كنت اصطحب (الجاعد) فقط ...

يسألني صاحبي أمس :- انت كيف بتكتب ؟ ..قلت له أكتب من على (الجاعد) فأنا ولدت على الدنيا, من دون سجاد فاخر ..في منزلنا , ومن دون أريكة صنعت في مصر أو تم استيرادها من تركيا ...ولدت وفي منزلنا (جاعد) لا أعرف استعمالاته, ولكنه مع الزمن اصبح صديقي ...نحن نتاج مجتمع (الجاعد) ..وها أنا اليوم أنثر ذكرياتي على الورق وفاء (للجاعد)