الشعوب العربية ... بين الديكتاتورية والعمالة
كلنا نتفق على أن أطماع أمريكا والغرب والصهاينة في منطقتنا العربية ليس لها حدود، ومن حق كل غيور على أمته وحريص على دينه وعروبته أن يتنبه إلى كل الأحداث صغيرها وكبيرها فنحن في زمان لم يعد للغافل دور ولا عذر، ولأن السجل الإجرامي لأمريكا وحلفائها واسع وكبير وذو أسبقيات مثبتة تأذت منه البشرية جمعاء فعلينا الحذر الشديد والتنبه لقادم الأيام، ولأننا أبتلينا بحكام في أكثر دول منطقتنا يعبدون الكرسي ويسبحون بحمده ويلهجون بالدعاء لتثبيت أنفسهم عليه مهما كان الثمن ومهما ارتفعت الخسائر ما داموا على كراسيهم جالسين وللمليارات ناهبين، وأقاربهم يتملكون زمام الحكم ويحكمون قبضتهم على الإقتصاد وعلى كل مفاصل الدولة الحيوية، فقد حان وقت التنبه والاستيقاظ، فبعض الحكام الذين أبتلينا بهم راحوا يهرولون أو يجرون بسرعة قصوى في بعض الأحيان ليثبتوا ولاءهم المطلق لكل ما هو معادي للدين وللعروبة وللمبادئ والقيم إرضاء لمن يحفظ لهم كراسيهم جهلا منهم وعدم دراية، اشتروا رضا أمريكا والصهاينة والغرب وأذلوا أنفسهم وعادوا شعوبهم ونهبوا البلاد وأذلوا العباد دون وجه حق، فكان لزاما أن تكون النتيجة هي العزلة التامة واتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم وانعدام الثقة تماما بين الجانبين، فالأول يعرف أنه ظالم والثاني يوقن أنه مظلوم.
ومع وجود مثل هذه الأنظمة المتهالكة وجدت أمريكا نفسها أمام أنظمة تتهافت عليها لإعلان الولاء وإبداء الاستعداد لتقديم مزيد من الخدمات دون مقابل باستثناء حفظ المنصب وتوريثه للأبناء في قادم الأيام، ولأن الأمريكيين وجدوا أنفسهم وقد قدمت لهم التسهيلات والمساعدات المادية والعسكرية وشرعت لهم الأبواب في مشروعهم الإستعماري الجديد في المنطقة العربية، وهم يدركون جيدا مدى هشاشة هذه الأنظمة التي لا تستمد قوتها من شرعية شعبية بل من قوة الآلة القمعية التي تقف حاجزا أمام كل تغيير وتقمع كل من تحدثه نفسه بالتطاول وتغرق كل تحرك شعبي في الدم في الغالب، والإدارة الأمريكية تدرك أيضا مدى الحقد الذي تكنه الشعوب العربية لأنظمتها التي حرمتها من أبسط حقوقها، وعندما إنتهت صلاحية بعض الحكام وانتهت أدوارهم راح الأمريكان يبتزون أصدقاء الأمس بالمناداة بالحرية والإصلاح والديمقراطية وحرية التعبير، ولأن هذه الأنظمة المستبدة تعرف قيمة نفسها وتقدر المقدار الهائل من المآسي الذي ألحقته بشعوبها أصبحت مرعوبة من الحديث عن الإصلاح والتغيير وحتى إن كان هذا النداء مدعوما من ولي أمرها والحلفاء، لأن نهاية العميل معروفة مسبقا، فأضحى الحديث عن الإصلاح يرعب بعض الأنظمة العربية حتى وإن كان جزئيا؛ لأن ذلك من شأنه تحريك البرك الراكدة وإطلاق الألسنة المربوطة وفتح الأفواه المكبلة والنبش في الملفات الحساسة التي طالما منعت هذه الأنظمة الخوض فيها مثل الفساد ونهب الثروات والإستيلاء على أموال الشعوب والإغتيالات والإعتقالات والتعذيب وإلغاء وتهميش كل معارض أو سحقه نهائيا في بعض الدول.
وعندما شعرت بعض الأنظمة أن عروشها تهتز وأن أمريكا لديها مخطط جديد وبحاجة لوجوه جديده راحت تربط بين حكمها والأمن والأمان وأنها تحققه بالمجان للمواطنين، وأن نتيجة الحرية والتخلص من هذه الأنظمة ستكون حتما الفوضى وإنعدام الأمن وانتشار القتل والجرائم في كل أنحاء البلاد، وراحت تنعت كل من يعارضها بأنه عميل للغرب ومندس ومخرب وخائن جملة واحدة دون التفريق بين معارض مأجور حقا وبين معارض وطني همه الوطن أولا وأخيرا وليس الشهرة والتكسب وهو الذي عانى طويلا من تهميش هذه الأنظمة له وعدم الإستماع لدعوات التغيير والإصلاح الحقيقي السلمي البعيد كل البعد عن العنف والدم ولكن بعض الأنظمة لا تعرف قيمة المعارضة الحقيقية في كثير من الأحيان إلا بعد فوات الأوان؛ لأن بعض الحكام يؤمنون بأن الأوطان ملكهم ويختزلون الوطن كله في شخصهم، وعجزوا أن يجعلوا من الوطن بيتا يجمع جميع أبنائه بكافة مكوناتهم واختلافاتهم وتجاذباتهم واختلاف أعراقهم ومعتقداتهم ومذاهبهم وأطيافهم، لا فضل لأحد فيه على أحد إلا بمقدار ما يقدم لهذا الوطن، فالكل فيه شركاء سواسية في الحقوق والواجبات.
إن الاعتراف بالآخر المختلف فكرا ورؤية، في ما لا يمس الأخلاق والعادات الصحيحة والقيم الثابتة والأديان السماوية، هو من أبسط حقوق المواطنة التي يجب أن يتمتع بها جميع أبناء الوطن الواحد، وليفهم الجميع أن الوطنية هي تحمل أمانة المسؤولية وليس النفاق للحاكم والتدليس عليه وتأييده بكل ما يقوم به صائبا كان أم مخطئ، بل إن الوطنية الحقيقية الصادقة تكمن في الوقوف عند الأخطاء والإحاطة بها وتطويقها والحديث عنها بحالة المواجهة والعلنية وتجريم ومحاسبة من يقوم بالجسيم منها أو يلتف عليها، والحديث عن الأخطاء لا يستدعي تصنيف من يتحدث بها ضمن قائمة المخربين أوالعملاء زورا وبهتانا وضمهم إلى سجل الذين يحاولون النيل من هيبة الوطن أو إتهامهم بأنهم يعملون على تثبيط عزائم الأمة، فنحن لا نستطيع الاحتفاظ بأمان الوطن أي وطن عن طريق تجاهل البحث عن الحلول والمسببات بدلا عن معالجتها ومواجهتها بشكل مباشر، فليت الحكام العرب يتعلمون مما جرى ويجري في دولنا العربية ويقطعون كل طريق على أي تدخل أجنبي غاشم ويعملون على ردم الحواجز المرتفعة بينهم وبين مواطني دولهم، ويعالجون الأسباب الحقيقية لإنعدام الثقة ويعملون على بناء جسور القبول بالآخر والحضّ على التشارك في صناعة القرار، ومحاربة الفساد وأهله بكل أشكاله وألوانه أيا كان الفاسد، عندها سيشعر المواطن العربي أنه شريك حقيقي في الحكم وسيصبح حريصا على الوطن وعلى الحاكم وعلى الأمن والأمان ولن يكون فريسة سهلة للعمالة وخيانة الأوطان، فلماذا لا نعمل على تحصين بلداننا العربية ومواطنينا؟! ، ولما لا نبدأ فورا بالتغيير الداخلي الحقيقي دون قتل أو تهميش أو إتهامات باطلة أو تزييف للحقائق؟!، لما لا يكون همنا الأول الحرص على كل قطرة دم من أبنائنا؟!. أرجو من الله العلي القدير أن يحفظ كل بلادنا العربية وأسأله جل وعلا أن يحفظها من كيد الكائدين وحقد الحاقدين وتسلط بعض أبنائها الحاكمين وأن يحقن الدماء العربية الزكية الطاهرة وأن يتغمد الشهداء في واسع رحمته وان يشفي جراحنا وجرحاهم وأن يهيأ لنا من أمرنا رشدا وأن يولينا خيارنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
Abomer_os@yahoo.com