لاغارد في السعودية



من السعودية، تقدم مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، النصيحة للدولة النفطية الشقيقة بمواصلة كبح الإنفاق، والبحث عن مزيد من السبل لتنويع مصادر الإيرادات، رغم ارتفاع أسعار البترول نسبيا في الفترة الأخيرة.
السعودية كانت بدأت تنفيذ المطلوب لمواجهة العجز المالي الذي تفاقم، أساساً، بسبب التراجع فى أسعار النفط، والذي أدى بدوره إلى خنق المالية العامة. فزادت أسعار المحروقات محلياً، وخفّضت الإنفاق على بنود الدعم، كما قررت تخفيض رواتب وأجور. ومن ثم، تمكنت بالمحصلة من تخفيض النفقات العامة بشكل ملحوظ، بما انعكس انخفاضاً في عجز الموازنة العامة دون 10 % من الناتج الاقتصادي للعام المقبل.
بحسب الأرقام المنشورة، فإن العجز في الموازنة السعودية للعام 2016، بلغ 326.2 مليار ريال، أو ما يعادل حوالي 87 مليار دولار. ولردم الفجوة، لجأت الحكومة إلى الاقتراض من السوق الداخلية والخارجية، وأعلنت وزارة المالية السعودية سعيها لاستدانة 38 مليار دولار.
طبعاً، ما يُقرأ من المعطيات السابقة، أن وضع الاقتصاد السعودي لم يعد كما كان في سنوات سابقة. فتراجع أسعار النفط، وتزايد الإنفاق على بنود الدعم كما الحروب، أرهقا الخزينة السعودية، بحيث لم يعد وارداً توقع الفائض المريح الذي عرفته موازنات السنوات السابقة السعيدة. ومن ناحية أخرى، تُقرأ الخطوات التي اتُخذت خلال الفترة القصيرة الماضية، وتوجها إعلان البرنامج الاقتصادي الطموح "رؤية 2030"، بأن المملكة تعي حجم التحديات والمخاطر التي تحيق بها، والتي سيؤدي عدم التعامل معها بجدية منذ الآن، إلى تفاقم المشكلات لحدود غير مريحة.
لكن هل يكفي المتخذ والمعلن عنه من خطوات؟
في ظل استمرار تراجع أسعار النفط، قد يبدو الأمر في غاية الصعوبة. فلم يعد سهلاً وكافياً مورد النفط الذي كان يجلب إيرادات بمليارات الدولارات. كما لا يبدو أن الظروف والمعطيات التي تستنزف الموارد ستتوقف في المدى المنظور.
لذلك، فرغم الترحيب الكبير من قبل صندوق النقد الدولي بما فعلته السعودية، إلا أنه ما يزال بانتظار المزيد من القرارات الإصلاحية، والقاسية في الآن ذاته، على المجتمعات العربية كافة بغض النظر عن الإمكانات المالية.
فـ"الصندوق" يرى أن المملكة الشقيقة بدأت تصحيح أوضاع المالية العامة. لكنه يدعو صناع القرار السعوديين إلى مواصلة هذه الجهود على المدى المتوسط، بما في ذلك زيادة أسعار الطاقة المنخفضة محلياً للآن، وفق المعايير الدولية.
لاغارد التي تزور السعودية للمشاركة في اجتماع اللجنة المشتركة لوزراء المالية ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول مجلس التعاون الخليجي، تقول إن الاقتصاد الخليجي يعتمد على سلعة واحدة، وفي هذا أخطار كبيرة؛ مقدمة النصح للأشقاء الخليجيين بدعم اقتصاداتهم من خلال تنويع ركائزها، وكذلك السماح للناس بتقديم ما لديهم وتسهيل عمل القطاع الخاص في كل الاستثمارات، وتطوير العمل في مجالات مختلفة أخرى، كما تعزيز مشاركة المرأة.
من وجهة نظر "الصندوق"، فإن الإصلاح بالنسبة للسعودية التي تعد أهم الدول المنتجة للنفط، لا يختلف في طبيعته وشروطه عما هو مطلوب من بلد مثل الأردن غير منتج للنفط. إذ يجب زيادة الإجراءات التي تحسّن الإيرادات، بما في ذلك فرض ضرائب السلع الانتقائية وضريبة القيمة المضافة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة تقييد الإنفاق.
التوقعات بالنسبة لمستقبل الاقتصاد السعودي مسألة لا يمكن حسمها، حتى من قبل مديرة أهم مؤسسة مالية في العالم ليس لديها إلا وصفات جاهزة متشابهة، تقدمها لجميع الدول على اختلاف هيكل اقتصاداتها وحجمها.
ومن ثم، فإن التحليلات المتفائلة بالمشهد السعودي ترى أن الرياض أدركت التحديات، وهي مستعدة للمواجهة والإصلاح، وضمن ذلك البدء بخلق مصادر دخل بعيدة عن النفط. أما الفريق المقابل فيرى أن إصلاح الوضع الاقتصادي السعودي تأخر كثيرا، ما يجعل متوقعاً أن تكون النتائج الفعلية مغايرة لما تأمل به الخطط النظرية.
مع ذلك، يظل ثابتاً أن السعودية قدّمت نموذجا في محاولات الدول تشخيص أمراضها ومشاكلها الاقتصادية، والسعي إلى حلها تبعا لوصفات ورؤى محلية؛ وإن بقي نجاح الوصفة أو فشلها قضية من الصعب التنبؤ بها الآن.