الدولة المدنية


يعتبر البعض أن الدولة المدنية هي نتائج الفكر العلماني الذي يفصل بين الدين و السياسة - و أكد البعض ان العلمانية هي حياد الدولة حيال الدين - واعتبر مصطلح الدولة المدنية دولة مؤسسات تقوم على الفصل بين الدولة والسياسة - محافظة على اعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية و الدين و الجنس و الفكر - و هي تتضمن حقوق و حريات جميع المواطنين باعتبارها روح مواطنة - تقوم على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات - و هي في نظرهم دولة القانون والدستور المستمدان من التجارب الانسانية لتنظيم حياة المجتمع بحيث تتكون سلطات ثلاث - التنفيذية والتشريعية والقضائية مع عدم تداخل هذه السلطات وتكاملها وتتوفر في المجتمع قاعدة الحرية واحترام الآخر - ومرجعية الدولة هي ارادة الناس و فكرهم - باعتبار ارادة الناس مصدر السلطات - والعلمانية كما هو واقع تقر بحرية الاديان و العقائد وتحترم خصوصية الناس في اديانهم.


ان الموقف من الدولة المدنية يمكن ان يلخص في اتجاهات عدة - القبول المطلق كما جاء من الغرب وفئة قبلت هذا اللفظ و لم تصل به الى غايته - وفئة وصلت به الى غايته - باعتبار الدول تقوم على تعدد الاديان وسيادة القانون - وأخيرا ً من قال ان الدولة المدنية تراعي الاطياف الفكرية و الثقافية داخل محيط لا سيطرة فيه على احد - وتجري السياسة على اساس المصلحة و التشريع و تعبر عن شرائع الأمة - ويؤكدون ان العلمانية تعني ( الدنيوي ) - وما ينتمي الى عالم الارض وليس الى السماء.

ينادي البعض بالدولة المدنية لأننا لا نجد في ظلالها اي تطرف - وهي تنظيم لحياة البشر من خلال التعايش السلمي المتشرك هي الدولة التي تبعد المقدس عن متاهات السياسة - حكومتها لا تدعي انها ظل الله في الأرض - إذن هي صناعة عقل بشري - يقر القوانين من خلال مجالس منتخبه تؤكد التعددية - هي جهد بشري - وهي نموذج الديموقراطيات الغربية بكل اشكالها.

ولكن ما علاقة ذلك بالبعد الاسلامي تحديدا، اي ما علاقة الدين بالسياسة ؛ هي ليست الفصل المطلق - ولا التماهي المطلق فالدين حاضر كموجه و روح دافعة و قوة للامة - لكن الممارسة السياسية ممارسة بشرية نسبية قابلة للخطأ - لا ينبغي إضفاء طابع القداسة عليها و من هنا لا مجال في هذا الفهم لأي صورة من صور نظرية الحكم الإلهي أو ما يعرف بالـثـيـوقراطية و إذا كانت هناك قواعد عامة تؤطر لهذه المفاهيم فإن القوانين تصوغ نصوصا ً تفصيلية - و تطبيق القانون من صلاحيات السلطة التنفيذية و لا يجوز للأفراد أن يباشروه - إن العلاقة بين الدين و الدولة في الإسلام ليست علاقة توحد ولا فصل - هي علاقة الفروع بالاصول و الأركان و المقاصد. لقد كان الرسول صل الله عليه و سلم في الرسالة مبلغ وفي الامامة منشئ - ورأس الدولة بشر مجتهد.

لقد نصت وثيقة المدنية على عدم حصر المواطنة فقط في المسلمين و حددت لكل مواطن بغض النظر عن دينه حقوق و واجبات و حددت حدود الدولة لهذه الحقوق و الواجبات.

ان ضرورة الدولة للمجتمع اساسية - و هي من جنس المجتمع - والدولة اجتهاد بشري لا يحتكر التفكير لها ولا تنفيذ دستورها جماعة او فئة - هي حق لكل من هو قادر عليها ليست دولة حزب او جماعة مهما كبرت والحاكم غير معصوم و الامة مصدر تقنين النصوص بما لا نص فيه و قد رفض الامام مالك ان يكون الموطأ هو وحده قانون قضاء الدولة.

ان الاختلاف سنة كونية - فإذا كان الاختلاف في أمر العقيدة مقبول فالإختلاف في شأن الدنيا أكثر قبولا ً - إن تأكيد قيمة الحرية و القبول بحق الاختلاف و التعددية و العدالة و التسامح و النظام و روح العمل الجماعي و التناصر في مقاومة الظلم و الجور و حب الحقيقة و احترام ارادة الأمة و مصلحة الجماعة و تداول السلطة و التمسك بالسلم و التعاون كلها مساحات تلتقي فيها الدولة المدنية مع النظرة الاسلامية، و قديما غير الرسول صلى الله عليه و سلم أسم يثرب الى المدينة تأكيدا ً على النقلة الجديدة للأمة الإسلامية كحالة في مواجهه البداوة في أول نظام سياسي مستقر أقيم في المدينة المنورة له أركان الدولة - وللحديث بقية.