لا تحتاج روحة عند المفتي ..



فهذا العدد الكبير من الناس حين يتدفق إلى بلد محدود القدرات والموارد، وبالكاد يقوم بتقديم خدماته لمواطنيه، من الطبيعي والمنطقي أن يعاني بلد هذا حاله من الفاقة والعجز عن تقديم الخدمة وتوفير الأمن والاستقرار لنفسه فكيف يوفرها لمن حوله !..

رئيس الوزراء حين تحدث إلى ملكة بلجيكا عن تأثير اللاجئين، صرح تصريحا سياسيا جديدا، وهو «إن الأردن لم يعد بمقدوره تحمل عبء اللجوء»، وهذا كلام له استحقاقات مهمة حين يصدر عن رئيس حكومة لدولة تحملت الكثير، وصبرت وتجاوزت عن تعامي العالم لمدى تأثير اللجوء السوري في الأردن، بل وقدمت تنازلات سياسية مهمة حين فتحت الباب على مصراعية لتأهيل هذه الطاقات البشرية وتوجيهها إلى سوق العمل، لكن التعامي يتزايد، والمشكلة تتعمق وتستفحل، وبالفعل والعقل ولامنطق والعرف لم يعد بمقدور الدولة تحمل هذا العبء الثقيل.
أبواب الأردن وبيوت أهله وقلوبهم مفتوحة دوما لكل الأخوة العرب، خصوصا الذين يعانوا ظروفا سياسية قاهرة، فيهربوا من الموت باتجاه الأردن، طلبا للأمن والحفاظ على حياتهم وكرامتهم، لكن الأخوة السوريون قبل غيرهم يعلمون تمام العلم بأن الأردن وأهله وإذ يعلنون عدم استطاعتهم تحمل المزيد، فهم يعذرون بل ويشكرون الأردن على ما قدم رغم خصاصته، وحين يتحدث رئيس الحكومة بهذا التصريح الذي يرتقي إلى درجة «تحذير»، فيجب على العالم أن يصغي، ويلتفت إلى واجباته الانسانية والقانونية، وأكثر من هذا؛ مطلوب من الدول الضالعة في المشكلة السورية أن تقوم بواجباتها الأخلاقية تجاه بلد ساهموا في تخريبه وتهجير أهله، فهددوا بلدان أخرى، وأصبحت تعاني الانفجار الكبير، بسبب الضغط الكبير على مواردها ومؤسساتها وفرص مواطنها القليلة أصلا في العمل والحياة بكرامة.
سيكون الكلام تقليديا حين نكرر الحديث عن فقر الأردن المائي، والمالي، ومواجهته لأزمات كثيرة اقتصادية وغيرها، خصوصا بعد اعلان الحكومة الاردنية بأنها لم تعد قادرة على تحمل العبء الكبير، ولا هذا التجاهل الدولي الباعث على الاستفزاز علاوة على أنه عدم اكتراث بضحايا الحروب وبمصير الدول المضيفة لهؤلاء البشر.
رئيس الوزراء يطالب العالم بتبني آلية مستقرة وواضحة لدعم الأردن ومساعدته للقيام بواجبه تجاه اللاجئين وتجاه مواطنيه، الذين أصبحوا يعانوا مشاكل نوعية جديدة كثيرة، بسبب الزيادة المفاجئة لعدد السكان، حيث يشكل اللجوء السوري خمس عدد السكان، بعد أن تدفق مليون و300 الف لاجىء إلى أراضيه، ورقم يقترب من هذا الرقم لمواطنين سوريين لم يدخلوا الأردن كلاجئين..فنسبتهم من سكان المملكة يزيد عن الخمس بل ويتجاوز الربع.
وبمثال ذكره الدكتور الملقي ضمن ما ذكر لملكة بلجيكا، حول قيام الأردن بواجبه الأخلاقي والأخوي والعروبي تجاه المواطنين السوريين الأشقاء، وهو مثال «التعليم»، حيث نذكر التعهد الأردني الذي أطلقه وزير التربية والتعليم بأن لا يبقى على الأراضي الأردنية طفل ولا يلتحق بالمدارس الأردنية، وهو تصريح وتعهد يكلف الأردن كثيرا، فعلى صعيد المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم، وقبل اللجوء السوري وتداعياته، كنا نعاني من اكتظاظ المدارس بأعداد من الطلبة الأردنيين، الأمر الذي يؤثر على مخرجات العملية التعليمية والتربوية، فكيف الحال بعد اللجوء والتعهد الأردني المذكور، حيث المدارس قليلة، والكوادر كذلك بالكاد تستطيع الوزراة تغطية نفقاتها، وتحديات الاكتظاظ تتزايد؟
الفترة المسائية في المدارس هي عبء كبير على المدرسين، وهي تأتي على حساب أدائهم وعلى حساب الطلبة الأردنيين، ومنذ بداية الفصل وأنا أزور مدارس في عمان، كانت من المدارس القوية قبل سنوات، لكنها أصبحت بحال سيئة للغاية، بعد أن تزايد أعداد الطلبة وتناقصت همة واستعداد المدرسين فيها، ويكفي القول بأن هناك نقص حتى اليوم في بعض المدرسين لبعض المناهج في هذه المدارس، حيث لا يمكن أن تقوم الوزارة بتعيين المزيد، ولا يمكنها أيضا أن تستأجر أو تعمر مدارس في الحال.
مهما حاولنا الحديث تفصيلا أو تعليلا فالحقيقة التي يجب أن يفهما العالم والدول الأطراف في المشكلة السورية، تكمن في إعلان الاردن وتحذيره، بعدم استطاعته القيام بهذا العبء الكبير، فعلى الجميع أن يضطلع بمشؤولياته، ويقدم دعما واضحا ومستمرا ومستقرا ومكافئا لحجم التحدي والأعباء الجاثمة على كاهل الدولة الأردنية ومؤسساتها وأهلها..
الحالة السيئة واضحة ومآلاتها معروفة، ولا تحتاج «روحة لعند المفتي»..يكفينا صمتا، ويجب أن يتغير الموقف قبل فوات الأوان،وهذا ما نريده من المجتمع الدولي بمختلف منظماته وهيئاته وبعض دوله المغامرة باستقرار وأمن الدول والشعوب سعيا وراء مصالحها.