أوامر من فوق فوق
م-اكثم الصرايرة
أوامر من فوق فوق !!
استبشرنا خيراً بعد التصريح الشهير لجلالة الملك الذي خاطب فيه جميع المسؤولين قائلاً لهم بالحرف الواحد بأنه لا يوجد مصطلح اسمه أوامر من فوق في قاموسه و أنه أبداً لم يصدر أي من هذه الأوامر إلا في سياقها الطبيعي و بالطرق الدستورية بما يتوافق مع القوانين و الدستور نافياً وبشكل قاطع كل ما ينسب إليه بصورة صريحة أو تلميحية بأنه يصدر أوامر يتخذها بعض المسؤولين تصريحاً وضوء أخضر لتبرير ما يقومون به و ما يصدر عنهم من قرارات و بالذات أولئك الذين يختبئون بعباءته و يبررون أفعالهم الغير دستورية و الغير قانونية بترديد عبارة أنها أوامر من فوق كي يلجموا أي أصوات معترضة أو مطالبة بالتفسير.
أقول استبشرنا خيراً بأننا لن نسمع هذه العبارات بعد ذلك التصريح الملكي الواضح وضوح الشمس, ولكننا وللأسف بتنا نسمع هذه العبارة و بشكل شبه يومي تصدر من أفواه مسؤولين من شتى الدرجات ومختلف المواقع وبشكل متزايد ومستهجن ومستفز لأبعد الحدود ومهين لكل العقول، فهذا وزير يبرر هروب سجين بأنه أتى بأوامر عليا وأنه وقع خروجه دون إرادة منه علماً بأنه وزير لوزارة سيادية يفترض به أن يكون هو من يصدر الأوامر لا أن يتلقاها وهو من يحمي الوطن لا أن يساهم بهروب مساجينه وقد أقسم اليمين أمام الله بأن يحافظ على الأمانة فهل سيقول لرب العالمين تلقيت أوامر من فوق ؟؟ وهذا طبيب يبرر توقيعه على فحوصات طبية مخالفة بأنه تلقى مكالمة من جهة عليا أمرته متناسياً شرف المهنة و قسمه النقابي وموقعه الاجتماعي وكان الأجدى به الاستقالة على أن يحنث بمبادئه ... وهذا وزير يبرر إغلاقه ملف فساد يحقق به بداعي تلقيه أوامر عليا ؟؟ ونسمع بنواب يبررون تقاعسهم عن التحقيق في ملف شاهين بأن هنالك جهات عليا !! و يخرج علينا رئيس هيئة مكافحة الفساد اكثر من مرة مردداً نفس العبارة عند الإجابة على عدم قدرة الهيئة على الاقتراب من الرؤوس الكبيرة !!وتطالعنا الصحافة بخبر مفادة أن جهات عليا وأوامر من فوق أوقفت تعيين رئيس تحرير لإحدى الصحف بحجة اتجاهاته اليسارية !!وقدم مذيع في محطة تلفزيونية خاصة استقالته احتجاجا على رفض جهات عليا السماح له بإجراء حوار مع ليث شبيلات !! و شكى رئيس اتحاد من ان أوامر عليا تهدف للإطاحة به !! و نرى ونسمع أوامر عليا تتناثر هنا وهناك بحيث لا يكاد يمر يوم أو خبر دون أن تطرزه عبارة أوامر من فوق، مما يثير الاستغراب ويرسم الدهشة عن مدى استيعاب هؤلاء لما قاله الملك و مدى احترامهم وتقديرهم لعقول الأردنيين الذي يظنون بأنهم يستخفون بها غير مدركين بأنهم هم من الذين أصبحوا من يستخف بهم بعد أن فقدوا احترامهم وهيبتهم ومصداقيتهم فهذا وزير يخرج بحماية الدرك وآخر يسمع شتيمته بأذنه ورئيس وزراء يمنع من دخول مبنى المحافظة ويجبر على الرحيل، لقد فقدتم احترامكم وأفقدتم مناصبكم احترامها وهيبتها والتي بدأت أسهمها بالانحدار بقوة إبان العصر الرفاعي المنصرم، لماذا لا يبادر هؤلاء المأمورين بأوامر عليا إلى احترام أنفسهم وأسمائهم ويصرحوا بهذه الأسماء الآمرة لهم وبأن يدفعوا عن أنفسهم التهم ويحترموا تاريخهم أن كان لديهم تاريخ
أم أن هنالك فعلاً أوامر تأتيهم من فوق؟؟
و إن كان كذلك فمن يكون هذا الفوق إن كان جلالة الملك قد نأى بنفسه عن هذه الأوامر وصرح أكثر من مرة بأنه لا يصدر مثل هذه الأوامر.
فمن هي اذن هذه الأيدي الخفية التي تمتلك هذه القوة لفرض إرادتها وتحدي الأوامر الملكية الداعية إلى عدم التدخل في عمل الحكومة والمؤسسات الرسمية خارج نطاق الصلاحيات والأنظمة ؟
من هي هذه القوى في بلد لا يكاد فيه مسؤول يسخن الكرسي من تحته حتى يستبدل في لعبة تبديل الكراسي بحيث لا يتيح له الوقت بناء تحالفات وكسب أتباع تمنحه قوة وسيطرة كما نرى في دول مثل سوريا و تونس و مصر حيث يشكل المسؤولين إمبراطوريات من العلاقات والشبكات تجعله كالإخطبوط متمدد في كل مكان بفضل طول فترة البقاء في المنصب .
من هم هؤلاء الذين يضربون بعرض الحائط كل القوانين والأعراف والمشاعر، يتحدون صبر الشعب بشكل سافر و مخجل غير آبهين لكل ما يصدر عنه من حراك سياسي و دعوات إلى الإصلاح و الالتزام بالقانون مستغلين طيبته وحبه لوطنه مستفزين له ؟
من هم هؤلاء الأغبياء الذين لم يسعفهم تفكيرهم ولم تساعدهم عقولهم على إدراك وضع الشعب الأردني الحالي وحالة الغليان التي تنوبه وهو يبدو كالبركان قابل للانفجار في أي لحظة و بأي سبب بسبب هذه السياسات العقيمة؟
أنهم إما أغبياء لا يدركون ما يجري أو أنهم مستهترون يعولون كثيراً على سبات الشعب أو أنهم غير مبالين بأي نتائج لأفعالهم باحثين عن تحقيق أكبر قدر من المكاسب و قدر ما يستطيعون ما دام أن سيف الرقابة والحساب بعيدة عن أعناقهم و سلطاتهم ..
هم لم يتعظوا مما جرى و يجري حولهم من أحداث و رؤوس كبيرة تزج بالسجون بعد أن ظن أصحابها بأنهم آمنين