«توك توك»

 


حين قفز الـ «توك توك» المصري من حيز التقرير التلفزيوني إلى فضاء الشرق الأوسط الجديد، رفع العالم حاجبيه دهشة متراوحة بين الانبهار الإيجابي والصدمة السلبية. وحيث إن حاجبي العالم ما زالا مرفوعين من هول الدهشة وحجمها، فقد وجب التوضيح والتفنيد، حتى لا يتم التعامل مع الـ «توك توك» باعتباره مشروعاً قومياً ينافس عاصمة إدارية جديدة مثيرة للجدل واللغط، أو أيقونة ثورية ويتعامل معها آخرون على أنها رمز للعمالة وممثل للخيانة.

 

 

خرج الـ «توك توك» بسائقه وشارعه وركابه وصانعه الإعلامي من مجرد تقرير ضمن برنامج فاقد قاعدته الجماهيرية إلى فضاء أرحب حيث كلمات السائق الرنانة مترجمة إلى الإنكليزية باعتبارها أفضل ما قيل، ومرصوصة بالفرنسية والروسية والتركية وغيرها كأنها معلقات ذهبية.

 

 

اكتفت التقارير الأجنبية بعزف أنشودة المواطن المعذب والديموقراطية الصريعة والمعاناة الرهيبة والفصاحة الكبيرة. فقد رسم السائق لوحة رائعة يسعى إلى رسمها كبار العاملين في الإعلام المرئي. وفي الداخل العربي، انقسم المتلقون بين مهللين مصفقين مبرهنين عبر كلمات السائق على حال البلاد والعباد المتردي بعد انقشاع حكم «الإخوان» الذي لم يأخذ فرصته، والذي أطيح رئيسه الشرعي، فما كان من الأعداء إلا أن أجهزوا عليه، فعاقبتهم السماء بالفقر والإفقار، كما أكد المصدر الفصيح سائق الـ «توك توك» الأصيل.

 

 

فريق آخر لم ير في الـ «توك توك» وسائقه ما يبهر أو يدهش أو حتى يلفت. فكلامه عن المعاناة والصعاب يقوله الجميع على مدار الساعة، لكن الفارق يكمن في أن السائق جعل الأمر مرتبطاً بقدوم الرئيس الحالي، فبدا الحديث مسيساً مؤدلجاً.

 

 

تقرير الـ «توك توك» تم تسييسه، ومن ثم تم الترويج له، وبالتالي تم تصعيده من مجرد تقرير تعرضه قناة تلفزيونية خاصة إلى موضوع لبرامج تلفزيونية. وبمقدار ما توافرت في التقرير الأصلي معايير النجاح المحلية من دق على أوتار المعاناة الاقتصادية، فإنه كذلك أثار غضب قطاع غير ضئيل من المصريين. أولئك رأوا في الضجة التي أحدثها ما يثير الشك والريبة، لا سيما أنه بات بطلاً مغواراً ورمزاً مختاراً في قنوات معروفة بانتماءاتها الأيديولوجية المعادية لاختيار المصريين السياسي.

 

 

ما لا يفهمه بعضهم ممن يتعجبون من عين الشك والريبة التي ينظر بها بعض المصريين البسطاء إلى فورة سائق الـ «توك توك» الإعلامية والعنكبوتية هو أن الشكاوى والمعاناة التي تضج بها قطاعات من المصريين بسبب صعوبة الأوضاع المعيشية لا تعني أنهم اختاروا الانقلاب على الرئيس أو النظام بالضرورة. ولا تعني أيضاً أنهم ضد الانتقاد والأنين، لكنهم ضد «غفرنة» السائق (تحويله إلى غيفارا) أو اعتباره أيقونة.

 

 

المهم هو أن السائق خرج من نطاق القــناة الفضائية المحلية إلى مجال العالمــية الأممية، وأصبح المادة الخام لمن لديه محفزات التشغيل. ويبقى حاجبا العالم مرفوعين حتى إشعار آخر.