سيادة القانون تتصدر المشهد السياسي مجدداً
جاءت الورقة النقاشية السادسة التي طرحها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم لتعبر عن ارادة سياسية واضحة ولتعلن بكل اصرار ان مبدأ "سيادة القانون " قد تصدَر بكل حزم واجهة الحياة السياسية لتتشكل بذلك مرحلة جديدة من مراحل الاصلاح السياسي في الاردن.
نحن في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مهتمون بصورة خاصة بكل ماورد في هذه الورقة من رؤى وتوجهات ملكية سامية فنحن المؤسسة الوطنية التي اوكل لها قانونها رقم 13 لسنة 2016 في المادة الرابعة الذي دخل حيز التنفيذ في 15 حزيران من هذا العام مسؤولية ادارة وتطبيق النزاهة الوطنية والالتزام بمبادئها ومكافحة الفساد ، وتفعيل منظومة القيم والقواعد السلوكية ، والتأكد من التزام الادارة العامة بمبادئ الحوكمة الرشيدة ، ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص ، والتأكد من وجود اطار قانوني ينظم مساءلة المسؤولين ومتخذي القرار ، وشفافية الادارة العامة في تطبيق التشريعات ، ومحاربة الواسطة والمحسوبية ، وملاحقـــــــــــــة الفاسدين اينما وجـــــــــــــدوا وبصرف النظر عن مناصبهم او وظائفهـــــم او او ضاعهم الاجتماعية.
ويأتي مبدأ "سيادة القانون" في هذه الورقة الملكية ليس فقط بوصفه مقوماً اساسياً من مقومات النزاهة الوطنية ولكن كذلك بوصفه المقوم الاساسي من مقومات الدولة الاردنية المعاصرة في مواجهة التحديات الاقليمية الكبرى التي تحيط بنا .
قبل اسابيع قليلة دخلت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الأردنية في عملية تحول واسعة النطاق شكلت مرحلة جديدة من مراحل تطورها كمؤسسة وطنية تعنى بسلامة المال العام ومنع الاساءة في توظيفه واستخدامه . وهي مرحلة تؤسس لتغييرات جوهرية في المسؤوليات الاساسية للهيئة وبنيتها الهيكلية وتشكل اضافة نوعية للوظائف والادوار الوطنية التي تمارسها.
ويتضمن هذا التحول عنصرين اساسيين : الاول، هو اندماج هيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم في مؤسسة واحدة ، والثاني هو تولي الهيئة بشكلها الجديد - بالإضافة الى مهامها السابقة - مسؤولية ادارة وتطبيق النزاهة الوطنية بوصفها مكون اساسي من مكونات مسيرة الاصلاح الوطني الشامل كما ارادها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين.
وللتكيّف مع المسؤوليات الكبرى التي اسندها القانون الجديد الى الهيئة في مجال النزاهة فان الدوائر المختصة في الهيئة عاكفة منذ شهور بالاشتراك مع شركائنا الاستراتيجيين على تطوير استراتيجية جديدة للنزاهة الوطنية ومكافحة الفساد باهداف وطنية طموحة واطار زمني يتجاوز السنوات العشر ونهدف فيها الى تطوير بيئة مناهضة للفساد. تقوم هذه الاستراتيجية على رؤية تتواصل مع البيئة الوطنية بكافة مكوناتها ، تؤصل القيم الوطنية والتراثية ، تكرس قيم النزاهة ومعايير السلوك الفردي والجماعي بما في ذلك المبدأ الملكي في :سيادة القانون" وتعمل على تحصين كافة اطياف المجتمع من الفساد مع الابقاء بنفس الوقت على زخم العمل القانوني والامني في الهيئة الذي يعالج قضايا الفساد باعلى درجات الجدية والمصداقية.
واستعداداً لهذا التحول فقد قامت الهيئة خلال الاشهر الماضية بسلسلة من الخطوات التحضيرية التنظيمية والادارية والمالية والتقنية لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ مع بداية عام 2017 بحيث يشمل العمل فيها محاور اساسية ثمانية وهي التوعية ، الوقاية ، النزاهة الوطنية ، سيادة وانفاذ القانون ، إحكام التشريعات واغلاق المنافذ المؤدية الى الفساد ، تعزيز الشراكات وتكامل الجهود والتعاون الدولي ، تعزيز قنوات الاتصال والاعلام ، وتطوير القدرات المؤسسية.
وعلى الرغم من ان هذه التطورات السياسية والقانونية والتنظيمية الكبيرة التي طالت الهيئة الا اننا نستشعر حجم التحديات التي نحن مقبلون عليها خلال السنوات القادمة في مجالي النزاهة ومكافحة الفساد .
فنحن مدركون تماماً ان الخطوة الاولى في مجال مكافحة الفساد تتمثل في بناء جسور الثقة المتبادلة بين الهيئة والمجتمع . وهذا تماماً ما استهدفته الرؤية الاستراتيجية للهيئة للاعوام القادمة وما تعمل عليه الحكومة وما نحن في الهيئة مقدمون عليه من خلال سياسات الانفتاح والشفافية وسيادة القانون.
ان الاختبار الحقيقي الذي غالباً ما تواجهه الحكومات في بناء الثقة المطلوبة لمكافحة الفساد يتمثل في جدية وفعالية ومصداقية نظام المساءلة السياســـــي والقانونــــــي في الدولــــــة وهــــــو العنوان العريض للورقة الملكيـــــة السادســـة. ولحسن الحظ فقد استبق قانون الهيئة الجديد الاحداث بأن كلف الهيئة في المادة (4/و) بالتأكد من وجود اطار قانوني ينظم مساءلة المسؤولين ومتخذي القرار في الادارة العامة ومحاسبتهم.
ولعل ماورد في الورقة الملكية السامية سيفتح آفاقا واسعة للهيئة لتلبية المتطلبات المتعددة لهذا النص القانوني الحاسم والجريء، يضاف الى ذلك حقيقة تبلور الارادة السياسية الاردنية الجادة بهذا الاتجاه على كافة المستويات السياسية ، القانونية والمجتمعية
وربما يكون التحدي الاكبر الذي سيواجهنا في السنوات القادمة هو آلية الوصول الى (بيئة مناهضة للفساد) بشكل غريزي وتلقائي . فالبيئة الاردنية كانت كذلك قبل ثلاثة عقود . قيم النزاهة الدينية والمجتمعية والتراثية في الأردن غالباً ما شكلت واقعاً طارداً للفساد ، ولكن احداث الاقليم وطغيان القيم المادية في هذا العصر أوجدت طبقة من الغبار تتطلب ازالتها واعادة اكتشاف الحقيقة في داخلنا.
هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للسنوات العشر القادمة . وهو تحد سياسي ، امني ، مجتمعي مركب يفرض بطبيعته سلسلة من التحديات الاخرى المتنوعة التي يعتمد عليها تحقيق انجازات ملموسة مثل:
• سرعة استجابة مؤسسات الدولة لمنظومة النزاهة الوطنية ومعاييرها الدولية.
• قدرة الهيئة على توظيف ادوات الدولة لصالح هذه الاستراتيجية .
• قدرة الهيئة على (بناء القدرات الذاتية) البشرية، الفنية والتقنية والبنى التحتية.
• القدرات المالية لتمويل برامج الاستراتيجية
• قدرة الهيئة على تجسير الفجوة بين الادارة العامة والرآي العام في مجال النزاهة ومكافحة الفساد .
اننا ندرك تماماً ان امامنا تحديات كبيرة . ولكننا ندرك كذلك ان لدينا قيادة سياسية جادة وارادة سياسية راسخة عكست ارادتها في ورقة نقاشية تناولت فيه المرتكز الاساسي من مرتكزات ادارة الدولة عبر التاريخ وهو "سيادة القانون" ومجتمع ناضج تتأصل فيه قيم التراث والتاريخ بكافة اشكالها ومستوياتها وقد اثبت ذلك عبر التاريخ.
محمد العلاف
رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد