المبادرة النيابية.. تعثر طبيعي أم انتهاء صلاحية؟!



لو كنت مؤرخا للحياة البرلمانية في الأردن وطلب إليّ أن أعرض مسيرة البرلمان الذي انطلق منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي وابين أهم المحطات والتحولات في العمل البرلماني الأردني وأبرز الظواهر التي تركت ظلالها على العلاقة بين السلطتين، فقد أجد الكثير مما يمكن أن يقال عن كل مجلس من المجالس السبعة عشر التي حُلّ معظمها قبل أن ينهي مدده الدستورية، ولن أغفل المواقف الفردية والجماعية المميزة التي اتخذها رجال ونساء ممن حملوا مسؤولية تمثيل مناطقهم تحت القبة.
الفترة التي يصعب تجاوزها في تاريخ البرلمان الأردني وربما الأكثر جدلا هي فترة ولاية المجلس السابع عشر، ليس لإطلاق العيارات النارية تحت القبة ولا لعدد المشاجرات أو الجلسات التي لم تنعقد لفقدان النصاب بل لظهور نمط جديد في العمل البرلماني تبنته مجموعة من البرلمانيين الشباب؛ غالبيتهم ممن دخلوا الحياة البرلمانية للمرة الاولى وجاءوا من خلفيات اجتماعية واقتصادية ومناطقية مختلفة لكنهم اتفقوا على قواعد وأرضيات العمل المبني على أجندات وبرامج واضحة سعوا لتحقيقها من خلال الحوار مع الحكومة أو ما أطلقوا عليه منهج "الاشتباك الإيجابي".
في المجلس السابع عشر كانت المجموعة التي أطلقت على نفسها "المبادرة النيابية" تؤدي أداء مدروسا ومنظما؛ فمهما كانت درجة الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحاتها إلا أنها أظهرت قدرا ملفتا من الانضباط والتناغم والانسجام الذي كان من الممكن أن يشكل أنموذجا لما ينبغي أن تكون عليه الكتل والتيارات والجماعات.
تحديد المبادرة لنهجها في العمل واعتباره الأرضية التي يتلاقى عليها الأعضاء كانت السمة الأبرز للجماعة التي تشكلت إبان جلسات مناقشة بيان حكومة النسور الثانية وظهرت أهميتها بعد أن نجحت في تزويد الحكومة بمساحة مريحة مكّنتها من تجاوز حالة التوتر التي كادت أن توصل الحكومة إلى طريق مسدود مع المجلس الذي هدد العديد من أركانه بحجب الثقة عنها.
خلال عمر المجلس السابع عشر كانت المبادرة النيابية عرضة للمد والجزر وموضعا لاتهامات البعض وتشكيكهم واحترام البعض وتقديرهم. فقد اتهمها البعض بأنها تحمل أجندات غير شعبوية في حين رأى البعض فيها بداية لعمل برلماني يتجاوز الأسلوب التقليدي القائم على التصعيد والاستعراض الخطابي بعيدا عن الأطر والرؤى والسياسات التي يمكن الاسترشاد بها في العمل البرلماني. وقد تراوح عدد أعضائها العشرين في مرحلة من المراحل قبل أن يتقلص العدد إلى اثني عشر نائبا في الأسابيع الأخيرة للمجلس حيث كان الدخول للمبادرة ومغادرتها محكوما بعوامل عديدة يصعب حصرها.
فكرة الاشتباك الإيجابي مع الحكومة في كافة الملفات التي جرى تطوير سياساتها في ضوء كتاب التكليف وبيان الحكومة ومناقشات الثقة أوجد أرضية ساعدت الجماعة على تحديد اتجاهاتها وتقييم إنجازها في كافة المراحل وعند كل مفصل من المفاصل التي وصلت فيها علاقة البرلمان والحكومة إلى درجة من التوتر أو الجفاء التي دفعت البعض للتهديد بطرح مسألة الثقة والتصويت عليها.
لا أحد يعرف بدقة حجم الثأثير الذي أحدثته المبادرة البرلمانية على سلوك البرلمانيين وأسلوب عمل المجلس، ولم تظهر على الساحة دراسات توضح مدى رضا أعضاء المجلس السابع عشر عن أدائهم وفيما إذا كان هناك فرق في مستوى الرضا بين أعضاء المبادرة وبقية الكتل والجماعات. لكن الواضح للمراقبين أن المبادرة كانت تعمل وفق منهج وأولويات واضحة وأهداف محددة ومتابعة مدروسة.
السؤال الذي حيّر الباحثين والمراقبين يتعلق بمسألتين تتعلق الأولى بعزوف أعضاء بارزين في المبادرة عن الترشح، حيث قرر كل من عامر البشير وحديثة الخريشة وأمجد آل خطاب وغيرهم أن لا يترشحوا للمجلس الثامن عشر. أما المسألة الثانية فتتعلق بإخفاق غالبية من ترشح من أعضاء المبادرة، فقد نجح اثنان من أعضاء المبادرة النيابية في حين لم ينجح أي من المتحمسين لها بما في ذلك مؤسسها الدكتور مصطفى الحمارنة.
العوامل التي أدت إلى تصدع بنية المبادرة قبل الانتخابات وأثناءها واختفاء أجندتها من الساحة السياسية أمور تبعث على الدهشة وتطرح الكثير من الأسئلة.