الإخوان المسلمون وخلط الأوراق
رغم ملامح المراجعة التي تطال اجندة جماعة الاخوان المسلمين بنسختها الاصلية حيال قضايا داخلية اساسية ومنهجية والتي استقبلتها الكيانات السياسية والاجتماعية بارتياح، الا ان الجماعة ما زالت على عهدها مع تقديم ملفاتها الذاتية على ملفاتها الوطنية، فقد نجحت الحكومة في لجم الجماعة عن ادانة اتفاقية الغاز بتركيز الاضواء على اتفاقية الغاز التركية الاسرائيلية؛ ما دفع الجماعة الى التركيز على تعديلات المناهج والانسحاب من النشاطات والحراكات الشارعية ضد اتفاقية الغاز مع شركة نوبل انرجي وتوجيه جام غضبها على "العلمانية والماسونية اللتين تعبثان بالقيم الاردنية” حسب شعارات مسيرة "الجمعة” الماضي .
الجماعة تستعيد نهجها السابق بتضليل الشارع الشعبي واللعب على وتر الغرائزية الدينية، بربطها بين العلمانية والماسونية ووضعهما في سلة واحدة رغم معرفتها بالفوارق الهائلة بين المنهجين، لكنها سياسة متواصلة عند الجماعة بالتضليل حين تقع الجماعة في صدام بين شعارها المحلي ومصالحها الحيوية في الاقليم وتحديدا مصالحها مع تركيا ورئيسها اردوغان الذي قامت بلاده بالتوقيع على اتفاقية لشراء الغاز من الكيان الصهيوني وهي اتفاقية لا يمكن ان تناهضها الجماعة الاخوانية بأي حال من الاحوال، وهذه ليست المرة الاولى التي تنحاز فيها الجماعة لمصلحتها على حساب شعارها المحلي، فهي دعمت انقلاب حماس وادانت انقلاب مصر حسب تعريفها واجندتها .
الجماعة الاخوانية اختارت مغادرة العاصمة عمان كلها وأقامت نشاطا شعبيا في مدينة الزرقاء ضد تعديلات المناهج متهمة القوى العلمانية والماسونية بالوقوف خلفها علما بان النشاط الماسوني محظور في الاردن منذ العام 1994 ولكنها خطوة لخلط الاوراق عادة ما تلجأ اليها الجماعة الاخوانية عند كل مأزق داخلي او تصادم بين شعارها المحلي ومصالحها الحزبية، وهذا باتالي يدفع المراقبين الى مراجعة مواقفهم من ملمح التغير الذي اصاب وعي الجماعة وعقلها ودفعها الى مراجعة مواقفها للاستجابة الى اللحظة الوطنية حسب تحليلات مريدي الجماعة، لكن الواضح ان الجماعة تحسب وتقيس الامور بميزانها الحركي فقط ولا تستجيب الا لواقعها الذاتي اما الظرف الموضوعي فهو برنامج مؤجل لحين تغير الظروف والوقائع .
طبعا تمتلك الجماعة واتباعها وانصارها اجوبة معلبة، مثل نجاح اردوغان في رفع الاقتصاد التركي وقدرته على مواجهة اعداء تركيا في الداخل والخارج وصلابته امام الكيان الصهيوني اثناء حادث السفينة مرمرة، ناسين أو متناسين ان تركيا اردوغان اعتذرت لروسيا واستقبلت بوتين استقبال الفاتحين واعادت علاقاتها مع الكيان الصهيوني وان التبادل التجاري والسياحي بين تركيا وتل ابيب لم ينقطع ابدا، وهذا ليس ادانة لتركيا واردوغان بقدر ما هو تشخيص لواقع، فلا احد ينكر نجاح اردوغان في تقديم مصالح بلاده على كل مصلحة غيرها وهو مطالبة بأن نتعلم هذا السلوك الوطني في التعاطي مع احتياجاتنا الوطنية، وتقديم الاجندة الوطنية على غيرها من الاجندات اسوة بتركيا واردوغان.
كان المأمول والمتوقع حتى ولو على شكل امنية، ان تتقدم الجماعة الاخوانية بمراجعة نقدية لسلوكها السابق ولمواقفها السابقة واثبات صدقية شعارها الانتخابي الذي خاضت معركته على اسس محلية ونهج مدني اقرب الى سلوك المجتمعات المدنية السياسية، باعتبار خطوتها بالعودة الى المشاركة السياسية " خطوة تنظيم "، لكن مواقفها الاخيرة تشير الى انها استبدلت سلوك تنظيم الخطوة على الايقاع المحلي بشعار " للخلف دُر " وشتان بين الخطوتين ، فهي في اول مواجهة بين شعارها المحلي ومصالحها الخارجية انحازت الى المصالح الإخوانية الخارجية على حساب المصلحة الوطنية، فالأصل ادانة السلوك وليس ادانة السالك .
omarkallab@yahoo.com