انتهاك خصوصيات
فجر يعقوب -
خمس مذيعات اجتمعن على الممثل والمغني الأوبرالي المصري حسن كامي، في برنامج «الستات ما بيعرفوش يكدبو» الذي تبثه فضائية «سي بي سي» المصرية. خمس مذيعات لم يخترن من سيرة الرجل الناصعة التي تحفل بالغناء الأوبرالي في بعض البلدان المتقدمة وحصوله على جوائز مهمة في مجاله، إلا بعض «الفضائح» التي تبدو في سلم القيم الاجتماعية أشياء مغرقة في خصوصيتها، وليس مفيداً إطلاع الرأي العام عليها بوصفه كياناً صورياً غير فاعل. يتساءل بعضهم: هل بقي هناك شيء اسمه خصوصية في عالم البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي و«السناب شات» وسواها؟
يبدو واضحاً مع التقدم في مجالات الإعلام الفضائي العربي الذي نشهد انتشاره، أنه يسقط من حساباته كثيراً من القيم والأخلاقيات التي تبلورت في قطاعات الإعلام القديم المستقيل. ولكن، قد يبدو من السهل أيضاً، جمع الكثير من الأخطاء والفضائح في سلة واحدة والتعبير عنها بمفردات تخصّ هذا النوع من الإعلام بمسميات مثل صناعة وعي ديموقراطي، وإخضاعه للقيم الجديدة التي تسري ناحيته وتهدد سلامته، التي تعني أيضاً في ما تعنيه، كل تلك الأخلاقيات المفقودة تدريجياً مع إبداء أكبر مقدار ممكن من التنصل من المسلمات التي تخسرها المجتمعات حين تكتفي بأن تكون صورية في حضورها وتجسيدها القيم كما ينبّه علماء الاجتماع.
ليست مشاركة حسن كامي الأولى، ولن تكون الأخيرة في هذه النوعية من البرامج. يبدو مع ذلك، أن الحديث عن فقدانه صوته الأوبرالي واعتزاله مع خسارة ابنه الوحيد، أهم وأجدى بكثير من تلك الحكاية الفضائحية التي انكبت عليها المذيعات، وأشبعنها تفكيكاً وتفصيلاً: كيف يمكن فناناً أن يخطئ بحق زوجته في أزمة منتصف العمر، وما هو الثمن الذي قد يدفعه لنيل مغفرتها؟ من الصعب تصوّر إجابة كتلك التي اعترف بها حسن كامي أمام المذيعات الخمس. ليس ذلك بطبيعة الحال انتهاكاً للقيم والأخلاقيات التي يدور الحديث عنها. بالتأكيد ليس الأمر كذلك. إنما هناك تفصيل صغير مرتبط بها يظل يقيم وزناً لمثل هذا النوع من الاعتراف. ثمة خصوصية في كل ذلك يجب عدم القفز عنها. هذا هو بالضبط ما يركّز عليه الإعلام المنفلت من عقاله. انتهاك الخصوصيات تحت مسميات شتى. الخصوصيات كما يشير إليها كثر هي حق إنساني لكل كائن مستقل، ولا يمكن الحديث عن أي استقلالية أخلاقية حين يتم انتهاكها بغض النظر عن الطريقة أو الأداة التي يتم فيها ذلك. هذا ما يغيب عن أذهان المذيعات والمذيعين.
لم تعد الخصوصيات في زمن كاميرات المراقبة، والبث المباشر في «فايسبوك» وسواه، تعني كثيراً اليوم. حتى تلك الحياة الحميمة التي كانت تخص أي كائن مستقل لم تعد تعني شيئاً لمثل هذه البرامج، وفي الطور الذي يبدو جارفاً منها يمكن حسن كامي أن يفقد شيئاً من ذاكرته ليقول كيف قبّل «حذاء زوجته يوماً» لتغفر له زلته.