نتائج الانتخابات عندنا وعندهم
حظيتُ بفرصة جيدة لمراقبة الانتخابات ومتابعتها، في بلدين عربيين ملكيين خلال أقل من شهر واحد، ولحسن حظي كمراقب ومدقق وباحث وقارئ للتاريخ في كلتا المملكتين، وهما الاردن والمغرب ، ان مقارباتي كانت صحيحة الى أبعد الحدود، خاصة وأنني كنت أول من سبق وكتب وقارن بين التجربتين الاردنية والمغربية في تعاملهما مع ثورة الربيع العربي عام 2011 ، حينما إمتدت ثورة الربيع العربي من تونس ومصر وليبيا شرقاً نحو سوريا فتوقفت في المحطة السورية وعجزت عن إقتحام الاردن وتفجيره وتدميره من الداخل.
لقد نجا الاردن وحصن نفسه، ليس فقط لأن الاردن نجح في استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي ، وتحقيق الديمقراطية ، وتوفر العدالة الإجتماعية لدى الاردنيين ، بل لأن هناك ايضاً عوامل موضوعية اخرى، منها عدم توفر عناصر الثورة وانتفاء مقومات نضوجها ، ناهيك عن حقيقة ان الدولة تمكنت من احتواء ازمة الاحتجاجات الشعبية، عبر تشكيل ثلاثة: لجان الاولى لتعديل الدستور برئاسة الراحل أحمد اللوزي ، والثانية لصياغة قانون إنتخاب برئاسة طاهر المصري، والثالثة لوضع برنامج إقتصادي برئاسة هاني الملقي، لعل هذه اللجان تقدم للأردنيين حلولاً دستورية وقانونية واقتصادية في ذلك الوقت الحرج، وتسهم في معالجة التحديات التي تواجه الاردن .
وفي الجهة الغربية إمتدت الثورة إلى المغرب ، وإنفجرت بإحتجاجات شباط 2011 ، فتلقفها الملك وأعلن في أذار إستعداده تعديل الدستور، فشكل لهذه الغاية لجنة صاغت دستوراً جديداً جرى الاستفتاء عليه في 29 تموز، وتمت الانتخابات النيابية على أساسه في 25 تشرين الثاني 2011 ، ومن ثمة كلف الملك أمين عام حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة، بإعتباره الحزب الاول الذي حصل على أعلى معدل للتصويت ونال 107 مقاعد في البرلمان ، وهكذا تشكلت حكومة برلمانية حزبية إئتلافية برئاسة بن كيران رئيس حزب الاغلبية، ومعه ثلاثة أحزاب هي الاستقلال والوطنيون والاحرار والشيوعيون .
في الاردن لم يسفر المخاض السياسي عما كان مأمولاً منه، بما في ذلك صياغة دستور ملائم ، حيث تم تكليف رئيس حكومة لا تتوفر لديه قاعدة برلمانية، وبالتالي لم نصل الى مستوى التطلعات بتشكيل حكومة برلمانية حزبية ، بل لم نتقدم إلى الامام ولو خطوة واحدة ، وبقينا أسرى قوى الشد العكسي ، التي استثمرت جيداً في الربيع العربي، وتوسلت التغيير نحو حكومات برلمانية حزبية لدى الانظمة الملكية ، وسعت بكل ما في وسعها لرؤية رؤساء جمهورية منتخبين حقاً في الانظمة الجمهورية.
وبالمحصلة النهائية، غرقت بلادنا العربية في أتون الحروب البينية، ووقعت ضحية لهيمنة أحزاب التيار الإسلامي الاربعة (1- الإخوان المسلمين ، 2- أحزاب ولاية الفقيه ، 3- القاعدة ، 4- داعش) ، وصراعاتها الداخلية من جهة اولى، وصراعاتها مع الانظمة الحاكمة من جهة ثانية ، حيث ساد الخراب والدمار الذاتي، والموت على الهوية، والفوضى السياسية ، لتجعل من الاردنيين على أغلبهم قوى محافظة، تخشى الربيع العربي ولا تتمناه وتتحاشى مفاعيله ، راضية برزقها القائم ولو على مضض ، في غياب العدالة الاجتماعية والديمقراطية، حاسدين أنفسنا على ما يتوفر لدينا من أمن ، بعد الذي شاهدناه في ليبيا وسوريا واليمن والعراق .
في المغرب رفض حزب العدالة والتنمية المشاركة في الاحتجاجات ضد النظام الملكي، وهو ما وفر له صلة بالواقع المرجو، وشهادة حسن سلوك سياسي، وذلك برفعه لشعار " الاصلاحات في ظل الاستقرار " أي في ظل النظام الملكي، مُعلناً أنه يقبل بمبادرات الملك ودستوره ويعمل في ظلها ، وهكذا خاض الانتخابات البرلمانية وحصل على مكانة الحزب الاول، فشكل الحكومة عام 2011 وقادها خمس سنوات ، وهو ما مكنه من النجاح مرة اخرى، ليفوز في انتخابات 2016 بزيادة عدد مقاعده من 107 إلى 125 مقعداً.
لقد أثبت حزب العدالة والتنمية في المغرب أنه اهل للمسؤولية الوطنية، وركيزة من ركائزها، حيث تصرف كحزب سياسي له مرجعية إسلامية، ولكن بسلوك راشد وسياسية حصيفة، وبذهنية دستورية تحظى برضى رأس الدولة الملك ، فقد ابدى هذا الحزب مرونة وايجابية في التعاطي مع الملفات الثلاثة : 1- الملف الامني ، 2- السياسة الخارجية ، 3- القبول بنصائح صندوق النقد الدولي والعمل بموجبها والحرص على تنفيذ برنامجها .
على المقلب الآخر، هنا في الاردن، كانت حركة الإخوان المسلمين هي التي قادت مظاهرات الاحتجاج إنسجاماً مع ثورة الربيع العربي ، ورفعت شعاراً متطرفاً " شركاء في الحكم ، شركاء في القرار " فإستفزت ليس فقط مؤسسات الدولة ، بل حلفاءها من القوميين واليساريين والنقابات المهنية ، هؤلاء الذين شكلوا معاً، مع مجموعة أحمد عبيدات، التحالف الرباعي في إطار الجبهة الوطنية للإصلاح، التي إنفضت وتلاشت وفشلت بسبب سياسة الإخوان المسلمين الانفرادية الاحادية المتطرفة، وذلك بعد أن طالبت الحركة الاخوانية بتعديل مواد الدستور الثلاث، 34 و 35 و 36 المتعلقة بصلاحيات رأس الدولة الملك .
الإخوان المسلمون في المغرب نجحوا لأنهم تصرفوا كمغاربة، معتمدين على حزبهم وقواعدهم وشراكتهم مع الاخرين، بمن فيهم الشيوعيون من حزب التقدم والاشتراكية، الذين أشركوهم في الحكومة طوال السنوات الخمس الماضية، وها هم يسعون اليوم لإشراكهم مرة أخرى في الحكومة المقبلة، على الرغم من تراجع حصة الشيوعيين من 20 مقعداً في مجلس النواب السابق عام 2011 إلى 12 نائباً في الانتخابات الاخيرة عام 2016 .
التجربتان الاردنية والمغربية متماثلتان الى ابعد الحدود، غير ان التجربة الاولى عندنا ظلت تُراوح مكانها بفعل قوة ونفوذ قوى الشد العكسي ، وهيمنة القوى المحافظة ، اما الثانية عندهم في المغرب، فقد قطعت شوطاً مهماً، وها هي تترسخ بنتائج الانتخابية الثانية بعد وضع الدستور الجديد ، وها هي ايضا تتشكل عندهم حكومة حزبية، على اساس نتائج صناديق الاقتراع .
h.faraneh@yahoo.com