روسيا وأميركا في سوريا
كانت هذه تقاليد التعامل بين أميركا والاتحاد السوفييتي في حقبة الحرب الباردة ، التي لم يكن أحد يتحمل خطورة تسخينها ، لأن الصراع النووي يعني دماراً موكداً للجانبين.
الاتحاد السوفييتي ذهب ، ولكن روسيا ظلت تمثل القطب الآخر في نظر أميركا ، كما بقيت أجواء الحرب الباردة ، أي العداء بكل الوسائل غير العسكرية.
روسيا دخلت سوريا أولاً ، ودخلتها بقوة كبيرة ، فكان لا بد لأميركا من أن لا تتورط إلا إذا كانت تريد صراعاً بني الدولتين الأقوى في العالم.
ومع أنه كانت أمام أميركا مهلة لا تقل عن أربع سنوات للتدخل في سوريا إلا أنها آثرت أن لا تفعل ، لأنها وجدت أن التكاليف تفوق النتائج المحتملة.
روسيا تعاملت مع أميركا بروح الزمالة ، وحاولت قيام نوع من العمل المشترك ، فكان الاتفاق بينهما على الهدنة ، على أن تكون المدخل لعمليتين: أولهما استئناف مؤتمر السلام في جنيف ، وثانيهما تنسيق العمل العسكري المشترك بينهما في وجه التنظيمات الإرهابية.
لكن أميركا قررت التراجع عن هذه الترتيبات ، وتعمدت إفشال فكرة التعاون المشترك ، فأرسلت أربع طائرات حربية لضرب قوات الجيش السوري النظامي في وضح النهار وقتلت عشرات الجنود عندما كانوا يدافعون عن مطار تدمر في وجه هجوم قوي لداعش. أميركا ادعت أن ذلك حدث على سبيل الخطأ!.
أصبحت أميركا بالتدريج طرفاً في الصراع السوري تطبيقاً لسياسة الحرب بالوكالة ، فقد صار لها حلفاء وممثلون من بين التنظيمات المسلحة تزودهم بالسلاح والتوجهات وفي المقدمة جبهة النصرة باسمها الجديد ، جبهة فتح الشام.
لم يتصور كثيرون أن تصبح عصابة النصرة ، وهي فرع من القاعدة ، الحليف المفضل لأميركا في سوريا ، ولكن لا جديد في ذلك ، فقد حصل التحالف بين أميركا والقاعدة في أفغانستان ، وها هو التاريخ يعيد نفسه ، وتتم إعادة إنتاج التحالف القديم. في السابق كان مقياس التحالف مقاومة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ، والآن أصبح المقياس مقاومة روسيا في سوريا.
سوريا في طريقها لأن تصبح مسرحاً للصراع الخفي أحيانأً والصريح أحياناً بين القوتين الكبيرتين ، كان الله في عون الشعب السوري.