التعليم.. اصطناع الأزمة وما وراء معركة المناهج
عقلية التربص التي تشتبك من خلالها نقابة المعلمين مع الوزارة جعلتها تمارس تصعيداً غير مبرر ضد الوزارة بوصفها كياناً سياسياً، ومع أنه ليس من دور نقابة المعلمين حسب قانونها، وحسب أيضاً ما يتعارف عليه من دور للنقابات، أي علاقة بتعديلات المناهج، إلا أنها تصدرت المشهد في الصراع على التعديلات، واستولت على ما يفترض أن يكون أرضية لحوار وربما صراع بين الحكومة ومجلس النواب، والمشهد اليوم أصبح مرتبكاً بصورة تنذر بمزيد التفاعلات على مختلف الأصعدة.
الحكومة لم تتمكن من التمهيد لعملية تعديل المناهج بصورة واسعة، وكان يمكن أن تطرحها كحوار مجتمعي واسع النطاق، وأن تجعل فعاليات مجتمعية مختلفة تتحالف مع وزارة التربية في مسعاها لوضع مناهج أكثر انفتاحاً وعصرنة، ويبدو أن قناعة ما كانت لدى الوزارة بأن التعديلات التي أجريت لم تكن لتستحق أصلاً هذه الضجة والانفعال الزائد، فمعظمها تعديلات شكلية، فمثلاً لا يوجد في التعديلات نصوص عن الثقافة الجنسية أو أهمية تناول حبوب منع الحمل للمراهقين، كما أنه لا يوجد أي ما يوحي بأن المجتمع الأردني انفصل عن ثقافته الإسلامية والعربية.
فوق ذلك لم تتبنى الحكومة في تعديلاتها ما يوحي بأن للذكر والأنثى حقوقاً متساوية، وعلى العكس أبقى على الوضعية التقليدية التي تحدد مسبقاً أدوار الرجل والمرأة في المجتمع، فلماذا كل هذه الضجة التي أثيرت خلال الأسابيع الماضية؟
اعتبرت بعض الأطراف التعديلات استهدافاً للإسلام ولتقاليد المجتمع وقيمه، وهذه أحدى الاستراتيجيات التي يتبعها من يعارضون التحديث والتطوير، وكأنهم مقتنعون داخلياً بأن الإسلام يعني الثبات ويحول دون وجود تطورات جذرية في المجتمع، وكل ما تفعله هذه الفئة بأنها تضع الإسلام بوصفه الدرع الذي يختفون وراءه ويهربون من أي حوار عقلاني أو منطقي، فهل ظهور امرأة غير محجبة في المنهج الدراسي يستدعي غضبتهم التي وصلت إلى مرحلة احراق الكتب والتهديد بالاضراب!
المرأة لا تجلس في البيت مع زوجها وأبنائها بالحجاب، والمنطقي أن تعبر الصورة عن الواقع العملي، كما أن المرأة غير المحجبة موجودة في المجتمع، وفي كل مكان، ويجب ألا يتم تأصيل فكرة أن المرأة يجب أن تكون محجبة لدى الأطفال، فالكتاب يجب أن يعكس الواقع المجتمعي، وبالطبع سيحاجج البعض بأن الحجاب فريضة إسلامية، ومع التسليم بذلك لمن يقول به، فإن الطفل من ناحية معني بأن يتعرف على الحقائق كما هي أمامه وفي حياته اليومية والواقعية، وهو بالتأكيد لا يشاهد أمه أو شقيقاته يرتدين الحجاب في المنزل.
الموضوع لا يتعلق بالمناهج، ولكن بوجود حملة منظمة على خطوات تتخذها وزارة التربية والتعليم من أجل انقاذ سمعة التعليم الأردني والعودة به لمستواه المرموق الذي حظي بالسمعة الطيبة على الأقل عربياً بينما اليوم أصبحت الدول العربية التي كانت تعتبر الأردن نموذجاً تعبر بصور شتى عن شكوكها حول المستوى التعليم في الأردن، وفي وسط معارك كثيرة تافهة وهامشية وجدت الجامعات الأردنية نفسها تقريباً دون اعتراف حقيقي في أسواق العمل الإقليمية.