طريق الشيديّة القاتل
بالأمس زار دولة رئيس الوزراء معان لافتتاح مشروع ضخم لشركة كبيرة تحوّل الطاقة الشمسيّة الى طاقة كهربائيّة ، ويقع المشروع على الطريق الذي يربط المملكة الاردنيّة الهاشميّة بالسعوديّة ونسميّه طريق الشيدية ، لأنّ شركة الفوسفات قبل أربعين سنة افتتحت منجما لاستخراج خام الفوسفات من أرضها ، والذي قدّر الباحثين أنّ كميّاته تبلغ مليارات الأطنان ، ثمّ أصبح الطريق يؤدّي الى الشركة الهنديّة الاردنيّة للكيماويات ، وبعدها شركة ( جيفكو ) ، وهي أيضا شركة عملاقة لتحويل خام الفوسفات الى أسمدة ، ثمّ وفي آخر سنتين أصبحت تنتشر على جانبي الطريق شركات ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائيّة من الطاقة الشمسية على أرض الروضة الصناعيّة التابعة لشركة تطوير معان ، وكثرت بذلك أعداد السيّارات التي تسير على هذه الطريق .
كنت أتمنّى أن يكمل رئيس الوزراء مشواره باتجاه الشيديّة ، لأنّه لم يقطع منه الاّ عدّة كيلو مترات قليلة للوصول الى موقع الاحتفال ، هو ومن معه من وزراء فيهم وزير الاشغال . لم تكن هذه الكيلو مترات كافية لتزيد من تأفف سائق سيّارته من ضيق الطريق ، ولم تجعلك يا دولة الرئيس تحسّ بالمطبّات الكثيرة التي تعيق الحركة عليه لترى معاناة السائقين الذين يقطعونه مجبرين ، سواء كانوا من العمّال والموظفين في الشركات الواقعة في منطقة الشيديّة أو من سائقي الشاحنات التي تنقل الفوسفات الى ميناء العقبة أو من السيّارات والحافلات الكثيرة التي تتجه الى السعوديّة قاصدين العمرة أو الحج أو الزيارة ، ولم تريك كم انكمش الطريق الذي يسمّى دولي وتآكلت أطرافه ولم تعد اشارات مروره موجودة . وكيف أن السائقين الذين يسلكونه لم يعد باستطاعتهم تبيّن حدّي الطريق أو المسرب الذي عليهم أن يسلكوه وكأنّه يقول لهم ولكلّ الاردنيين ، ليس لي دخل بمن تفقدون من أعزاءكم في حوادث السير الكثيرة التي تقع يوميّا علي .
واليوم ، مثلما فقدنا بالأمس القريب كثيرين ، نفقد شابا كان مليئا بالحيويّة وحبّ الحياة ، يخطط كيف ستكون أيّامه القادمة مع عروسة التي تنتظره بشوق في بيته ولم تخفي بعد فستان الفرح في خزانة الملابس . وأمّ ثكلى تتذكّر جدّها الامير الشيخ عودة أبو تايه الذي قاد جحافل الثائرين الحالمين بغد أفضل لهم ولأبنائهم وأحفادهم والذين لم يكونوا يتصوّرا أنّ الحكومات المتعاقبة في البلد الذي ضحّوا بدمائهم من أجل قيامه ، لا تستطيع توسعة طريق يؤدّي لشركات عملاقة سدّت اداراتها المتلاحقة أيضا آذانها عن سماع المطالبات الكثيرة بتوسعة الطريق واصلاحه وانارته . ووالد يصبر على فقد ابنه الوحيد بقول انّا لله وانّا اليه راجعون ، ويخفي دموعه الحرّى على موت ولده ، لأنّ الله قدّر وما شاء فعل .
هل سيتغيّر شيء على حال الطريق الذي يسمّى دولي وهو ليس كذلك ، وهل سيتم اقتطاع مبالغ ماليّة من الارباح الكثيرة للشركات التي يؤدّي اليها ، لعلمنا بضعف الموارد الماليّة للحكومة ، وهل سيكون هناك تحرّك جدّي لتوسعة الطريق وتحسينه من دون انتظار المساعدات الخارجيّة ، أم أننا سننتظر حادثا آخر نفقد فيه عزيزين علينا ، لنتذكّر أن الطريق ينكمش أكثر فأكثر .
رحمك الله يا صخر ، وأسكنك فسيح جنانه ، ولذويك ولعشيرتك حسن العزاء وانأ لله وانّا اليه راجعون .