بنك فيصل الإسلامي هو بنك الدم الفلسطيني

ما أكثر القضايا وأخطرها تلك التي يجب على مصر الحرة فتحها الآن، والتحقيق فيها، فثمة مظالم لا تسقط بالتقادم، وثمة مظالم تتعلق بجريمة لم تنتهي بعد، ولم تجف الدماء عنها ولا الدموع، وتتعلق بشعب بأكمله، تتعلق بجراح الشعب الفلسطيني التي ما التأمت وتتعلق بدمه الذي لا زال يسيل، تتعلق بحقوقه التي أهدرت ولا زالت تهدر.

أنني أتحدث عن قضية خطيرة جدا، كان من العبث أن تعرض على محاكم نظام السادات أو محاكم نظام مبارك، حتى جمال عبد الناصر لم يفعل أكثر من فصل صاحب هذه القضية من منصبه وطرده من مصر، ألا وهو عبد الرحمن عزام; أول أمين عام لجامعة الدول العربية، بل أعترف جمال عبد الناصر في حديث غاضب مع عبد الخالق حسونة بأنه على علم بفضائح سابقه في أمانة الجامعة.

لا أبالغ لو قلت بأننا أمام أحد أكبر من أجرموا في حق فلسطين وشعب فلسطين في التاريخ العربي كله، وقد يكون أولهم في هذا العصر، بل أنني لم أتردد لحظة في وضعه رقم "واحد" في لائحة العار في سلسلة: هؤلاء أضاعوا فلسطين.

لست هنا لأسجل تاريخه، فلتاريخه مكان آخر، لكني سأكتفي بهذه "المرافعة" أمام ضمائر الأحرار في مصر وفي كل مكان يتم فيه المتاجرة بثمن الدم الفلسطيني دون خجل.

صاحب هذه القضية ينتمي لعرب العزازمة، وهم من البدو الرحل، قبيلة تتنقل ما بين النقب وسيناء والصحراء الليبية وتعود أصولها للجزيرة العربية حيث رافقت جيوش الفتوحات الإسلامية من أجل الغنائم، حيث أنتهى بهم المطاف حيث هم الآن، يدّعي عبد الرحمن عزام أنهم ينتمون للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا لم يثبت في نسبهم، وما ثبت أنهم ينتمون الى عزام بن كلب.

وأسرة عبد الرحمن عزام أستقرت في مصر قبل ما يقرب من ثلاثمائة عام.
 قبل فترة هدد فرع من قبيلة العزازمة الحكومة المصرية باللجوء للكيان الصهيوني إن لم تحل لهم مشكلة المياه، فتم حلها.

 في عام ١٨٩٣م ولد عبد الرحمن عزام في بيت "متعاون" مع  بريطانيا عندما كانت تحتل مصر الا وهو والده حسن، وللصلة التي بين والده والأنجليز وبالأخص مع "مستر أنطوني" تم إرسال الصبي عبد الرحمن عزام لبريطانيا بدعوى دراسة الطب، وبعد  أقل من عام - كان شديد الذكاء ونبيها - أرسلته بريطانيا الى الدولة العثمانية التي كانت تستعد لإرسال جيوشها الى البلقان وأرسل تحت مهنة "مراسل صحفي"!.

ثم أرسل الى ليبيا حيث أشعل الفتن حول البطل الشهيد عمر المختار والسنوسي، وقد شهد عليه بعض الليبيين أنه كان دائم الإتصال بالإنجليز في كل ما يطرحه من قضايا مع الليبيين، بل غادر آنذاك الى أيطاليا وألتقى برئيس وزرائها، وترك إبن أخته سالم عزام (خال أيمن الظواهري)  كمندوب دائم له في روما، ووصل به ان يكذب على البطل عمرالمختار حين استدعاه الى مصر بحجة أنه جمع له سلاحا وأنه لن يسلمه إلا له شخصيا، وعندما وصل القائد عمرالمختار مصر، حاصره عبد الرحمن عزام لأكثر من أسبوع طالبا منه إلقاء السلاح مدعيا له بأنه كذب عليه في قضية السلاح رأفة بشيخوخته وأنه يريد له أن يعيش ما تبقى من حياته في مصر، فرد عليه عمر المختار بأن الأعمار بيد الله وأنه إن كان هناك بقية من عمر فأنه يفضل ان يمضيها في الجهاد، ولم يستطع المغادرة الا حين اتصل هذا البطل  بوجهاء في مصر ليغادر دون سلاح.

أنضم عزام  لحزب الوفد لكنه طرد منه عام ١٩٣٢ بتهمة الخيانة لينضم الى بطانة الملك فاروق والذي منحه لقب باشا عام ١٩٤٥.

أينما ذهب عبد الرحمن عزام كان يؤدي مهمته على أكمل وجه لما يتمتع به من ذكاء ودهاء و"تدريب" منذ الصغر، حتى أن بريطانيا عندما قررت إنشاء جامعة الدول العربية من أجل تصفية قضية فلسطين عبر وزير خارجيتها أنطوني أيدن، لم تجد سواه القادر على تنفيذ هذه المهمة، فعمل سويا مع ضابط الإستخبارات البريطاني كلايتون في وضع دستورها وإنشائها ومن ثم الخطط التي سارت عليها والقرارات التي تم إتخاذها ونفذت بكل دقة في قضية فلسطين، وأستطاع عزام أن يحقق لبريطانيا وأمريكيا والحركة الصهيونية ما لم يحلموا به، حتى أن المخابرات الأمريكية مدحته مديحا إستثنائيا في تقرير رفعته للرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان، لكن هذه المخابرات نصحت في نفس الوقت بتحويلها الى مؤسسة ثقافية بعد أن أدت مهمتها وأنكشف دورها!.
ومع ذلك يقول التاريخ العربي عن هذا العزام: جاهد في فلسطين وليبيا والبلقان، وسموه بجيفارا العرب!.. يا أمة ...

أعترف بأني جنحت للتاريخ الذي وعدت أن أكون في حل منه، لكنها الضرورة التي لا بد منها.

في عام ١٩٤٧ وعندما تم إتخاذ قرار تقسيم فلسطين، هاجت الشعوب العربية وتبرعت بالغالي والنفيس من أجل إنقاذ فلسطين، وكل هذه التبرعات كانت تسلم لجامعة الدول العربية وبالذات لأمينها العام عبد الرحمن عزام، ولم تصل هذه التبرعات للشعب الفلسطيني قط.

وعندما أشتد الخطر على فلسطين وبدأت العصابات الصهيونية بالهجوم على المدن والقرى الفلسطينية وبالمقابل أزدادت حركات المقاومة بالتصدي رغم قلة الحيلة ورغم الحالة التي وضعت بريطانيا الشعب الفلسطيني فيها من تجريده السلاح إستعدادا لتلك المرحلة، مما أضطر الشعب الفلسطيني لتوجيه النداء تلو النداء من أجل المساعدة بالمال والسلاح، فهبت الشعوب العربية وتبرعت بالغالي والنفيس أيضا وعبر جامعة الدول العربية، ولم يصل شيئا للشعب الفلسطيني، حتى أن القائد البطل عبد القادر الحسيني عندما نفذ منه السلاح، ذهب الى دمشق لمقابلة عبد الرحمن عزام حيث كان هناك وقتها، فطلب منه المساعدة لكن عزام رفض بحجة أنه لا يوجد شيئا، حينها طلب منه الأمانات التي سلمت لعبد الرحمن عزام وأشترط المتبرع وهو رجل أعمال من لبنان أن تسلم الأموال والسلاح يدا بيد لعبد القادر الحسيني أو رفيقه حسن سلامه، وكان عبد القادر الحسيني على علم بهذا التبرع وهو ربع مليون جنيه وأسلحه، ومع ذلك أنكر عزام الأمانة وخانها، وعندما حدثت المواجهة الشهيرة بين أعضاء اللجنة السياسية والبطل عبد القادر الحسيني  وهدد بفضحهم على الملأ، أستنجدوا بعزام والذي طلب من الحسيني "الستر" مقابل إعطاءه أربعين ألف جنيه من ذاك التبرع فرفض هذا البطل هذا العرض بإباء، وغادر خالي الوفاض، وهذا ما حمله عندما وصل فلسطين ووجد أن الصهاينة قد أحتلوا القسطل مرة أخرى في غيابه بعد أن سبق وأن حررها، حيث وجه حكمه التاريخي والأخير على عزام وجامعته والذي لا أحد يستطيع نقضه أو الطعن فيه: "السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح . عبد القادر الحسيني " .

بعد يومين من إصدار هذا الحكم أستشهد هذا البطل بعد أن حرر القسطل مرة أخرى، وبعد إستشهاده بيومين أستشهدت قرية فلسطينية تدعى دير ياسين، وضجت الشعوب العربية لهذين الحدثين، فتبرعوا بكل ما أستطاعوا عليه حتى أن النساء كن يتبرعن بمصاغهن كاملا، وكله عن طريق جامعة الدول العربية، ولم يصل شيئا للشعب الفلسطيني أيضا.
إذن أين ذهبت هذه التبرعات؟

في المقابل أرسلت جامعة الدول العربية جيشا سمته بجيش الإنقاذ، شهد عليه كل الشرفاء الذين شاركوا في ميداين الجهاد في فلسطين بأنه كان من أجل تحطيم الشعب الفلسطيني وشبابه المناضل، وقد كُشف فيما بعد عن إتصالات ما بين قائد هذا الجيش فوزي القاوقجي وقادة العصابات الصهيونية، كانوا يتحدثون فيها عن قوات الجهاد المقدس الفلسطينية على أنها عدو مشترك لهما!.

وقد ورد في وثيقة سرية بريطانية خطيرة جدا أن عزام يرى في أن هذا الجيش علية مساعدة العصابات الصهيونية في إحتلال فلسطين كلها (تخيلوا هذا في عام ١٩٤٨) حتى لا يسيطر الملك عبد الله ملك شرق الأردن على شبر منها. PRO-FO371/68861 .

وعندما نهب الصهاينة ممتلكات الشعب الفلسطيني وأستباحوا حقوقهم، ردت بعض العرب وبعد فوات الأوان بالمثل كما جرى في العراق، حينها أنتفض عبد الرحمن عزام، وقال:" أن الدول العربية لا يمكن أن تنزل إلى مستوى اليهود وأن للقتال آدابا في الشريعة الإسلامية! وذلك ليس من هذه الآداب" تماما كما فعل في ليبيا حين كان الأيطاليون يحرقون مهج الليبيين وكل ما يمتلكوه، لم يكن هم عزام سوى طلب حماية ممتلكات الأيطاليين في ليبيا، متناسيا  الآية الكريمة " .. والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..." .

وعندما أدت جامعة الدول العربية مهمتها بنجاح حيث أحتلت فلسطين وتشرد شعبها، وظهرت كل صور البؤس والمرارة والبشاعة على وجوه هذا الشعب الذي واجه أعتى قوى العالم ومن كل جانب منذ عام ١٩١٧ وما كلت عزيمته حتى تكالب عليه الصديق قبل العدو، وها هو يهيم على وجهه لا يدري أين يمضي، فمن لم يخسر عزيزا عليه خسر ماله، ومن لم يخسر ماله خسر بيته وأجمل وطن "فلسطين" وفوق كل هذا طعنة الأخ التي جاءت من الظهر.

وحين شاهد العالم العربي ما جرى ما قصر أيضا فتبرع وعن طريق الجامعة العربية أيضا، وليس العرب وحدهم من تبرعوا، فبعد النداء الذي وجهه الكونت برنادوت; وسيط الأمم المتحدة، تبرعت العديد من شعوب العالم لجامعة الدول العربية وللجنة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة والتي رصدت ٥٤ مليون دولار حيث أشترت ببعضها الأراضي التي أقيمت عليها المخيمات كما وقدمت منها رشاوى لبعض المسؤولين العرب ثم قامت على أمور اللاجئين فيما بعد منظمة الأونوروا، مع أن هذه المنظمات تعمل لصالح الصهاينة أولا وأخيرا، ولم يدفع عزام مليما واحدا على قضية اللاجئين رغم التبرعات الهائلة التي أستلمها.
واسأل للمرة الألف: أين ذهبت هذه التبرعات؟

بعد وفاة جمال عبد الناصر بعامين تقريبا ظهرت ثمة أموال تقدر بثلاث مليارات دولار ونصف المليار حسبما ذكر، وبدأت تعمل في السوق المصرية، ومن الصعب معرفة الأموال الأخرى لنفس صاحب هذه الأموال في أسواق عربية أخرى، ولم يكن صاحب هذه الأموال سوى عبد الرحمن عزام الأمين السابق لجامعة الدول العربية.

في عام ١٩٧٩ وبعد وفاة عبد الرحمن عزام بعامين ونصف بدأت هذه الأموال تبدأ تعمل بطريقة رسمية من خلال بنك تحت إسم: بنك فيصل الإسلامي! وظهر له أول مجلس إدارة وهم ورثة عبد الرحمن عزام : عمر عبد الرحمن عزام، عصام عبد الرحمن عزام، منى عبد الرحمن عزام وزوجها الأمير محمد الفيصل.

عمر عبد الرحمن عزام، كان موظفا عاديا في أحد مكاتب الأمم المتحدة، وعصام أيضا كان موظفا عاديا في شركة تكساسكو، ومنى لا نعلم عن طبيعة عملها، إبنها البكر وهو عمرو الفيصل أحد كبار نشطاء بنك فيصل الإسلامي وعضو في مجلس إدارته في الآونة الأخيرة، كما ويدير عدة مؤسسات مالية منبثقة عن بنك فيصل الإسلامي منها بنك الإثمار ورئيس مجلس إدارة جمعية "منتجة"  وشركة التأمين الإسلامية المحدودة ودار المال الإسلامي،  قبل ست سنوات أحدث صدمة لدى طلاب جامعة الملك عبد العزيز بجدة، حين قال:"ليس ضروريا أن تخترعوا العجلة من جديد.. اسرقوها"!.

وحتى مجموعة شركات الصفا في السعودية والتي يمتلكها عبد الرحمن عزام، حالها كحال بنك فيصل من حيث الريبة في أصولها، وقد بدأ عملها في منتصف الخمسينات من القرن الماضي.

ما أود قوله بإختصار أن ورثة عزام لا يمكن أن يصنعوا ثروة بحجم ثروة بنك فيصل الإسلامي وحتى لو كان الأمير فيصل معهم، خاصة إذا ما نظرنا الى المؤسسات التي تنطوي تحته في الفترة الحالية : هيئة الأوقاف المصرية ومصرف البحرين الشامل ودار المال الإسلامي ودار المال الإسلامي للخدمات الإدارية المحدودة ومصرف فيصل للاستثمار- البحرين، ومصرف فيصل الإسلامي- جيرسي والشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي- الشارقة، والشركة الخليجية للإستثمارات المالية والشركة المصرية للإستثمارات و بنك فيصل الإسلامي السوداني.

 كتبت للجنة القانونية في بنك فيصل الإسلامي عدة مرات أسألها عن طبيعة عمل البنك ورأس ماله ومن هم الشركاء فيه إن كان لعبد الرحمن شركاء فيه قبل إفتتاحه رسميا في بداية السبعينات، ولم أتلق أي جواب.
إذن الشعب الفلسطيني لم يبع أرضه ولم يتآمر على قضيته، وما كان ليهزم لو لم تتوالى الطعنات التي أتت من ظهره أكثر من أمامه، ولو لم ينشلوا سلاحه من يده ويسلموه لعدوه، لو لم يسرقوا لقمة عيشه وهو يفترش الأرض ويلتحف السماء، لو لم يبيعوا مآذن القدس وهي لا زالت تؤذن .. القدس الغير إستراتيجية حسب لجنة عزام السياسية، القدس التي طالب عزام بتجريدها من السلاح قبل أن يحتلها الصهاينة، وحتما لم يكن هذا دون ثمن وها خونة العرب لا زالت تتاجر بثمن وجراح ودماء ودموع الشعب الفلسطيني وحسب الشريعة الإسلامية أيضا،  لا سامحكم المولى عز وجل.

mohdalwalidi@hotmail.com