بيع الأردن بالجملة

راقبنا طويلا بيع الثروات الأردنية، شركات ضخمة وأراض زراعية وصحاري وموانيء وثروات استراتيجية، وكل ما يخطر في البال. وكنا حذرنا من أنه سيأتي يوم قريب لا ريب فيه لا يجدون شيئا يبيعونه سوى الإنسان فنصبح عبيدا في بلدنا مستأجرين لا نملك أرضا ولا مصنعا ولا مزرعة.

وها قد أتى اليوم وبأسرع مما توقعنا حين دعي الأردن للإنضمام لمجلس التعاون الخليجي.

المتأمل للموضوع من خارجه، سيسارع للترحيب فأنّى للأردن أن يكون عضوا في مجلس أغنى الأغنياء، أباطرة المال. يظن الكثيرون أن الحدود ستفتح والأردني سيتقاسم مع الخليجي رزقه بالتساوي. لكن المتأمل له من الداخل سيعلم أن هذه الوحدة المزعومة ما هي إلا عملية بيع لشباب الأردن كي يحاربوا بالنيابة عن المواطن الخليجي. هم يعلمون أن الأردني إذا دخل معركة حتى لو لم يكن طرفا فيها فسيدخلها أسدا ضرغاما، عدوا كاسرا آخر ما يسأل عنه هي روحه طالما في الأمر طاعة لله ولولي الأمر. ومن حيث المبدأ فلا غبار في دفاع الأردني عن أي أرض عربية، فالأساس هو تكاثف العرب جميعا ضد أي عدو أو طامع في أراضيهم أو طامع فيهم. وكما حضر السعوديون والعراقيون لمقاتلة الإسرائيلين على الأرض الأردنية فلا مانع أن يذهب الأردني للدفاع عن دول الخليج العربية.

إلا أن نبل الغاية يجب أن لا يغيب عنه خبث الوسيلة. فالهدف من هذه الوحدة ليس الدفاع عن أرض عربية، وإنما هما هدفان في واحد. الهدف الظاهر هو الدفاع عن الخليج ضد إيران، والهدف الثاني والأخطر هو تحويل العدو ليصبح إيران بدلا من إسرائيل. لا شك بالنسبة للكثيرين أن إيران هي عدو حقيقي وكبير للعرب. لا شك أن أطماع إيران في المنطقة ليست دينية بقدر ما هي سياسية. لا شك أيضا في أن العداوة الإيرانية للعرب متوارثة مما قبل الإسلام وممتدة إلى ما بعده. لا شأن لشيعة المذهب بهذا الصراع فقد كان ولا زال الشيعة العرب يعيشون عروبتهم ويمارسونها، إلا أن إيران السياسة تستخدم المذهب الديني كوسيلة لمحاربة كل ما هو عربي. ولا يغرنا دعمها الظاهر لبعض الجماعات الدينية فما هم إلا أداة وأذرعة وستار لهدفها السياسي وعدائها المستميت للعرب.

الأخطر في موضوع ضم الأردن للإتحاد الخليجي هو كي تصبح إيران هي العدو الوحيد وبذلك تتحول حالة العداء للشباب العربي من اسرائيل إلى إيران. الوسيلة المستخدمة هي إيهام الشباب والشعوب العربية بالثراء والمال وحل مشاكل البطالة والفقر.

يخطيء من يعتقد أن إتحاد الخليج العربي سيسمح للأردن بالإنضمام إليه كعضو فاعل وكأي واحد منهم. يخطيء من يعتقد أننا سنصبح خلايجة بالمفهوم العام والمطلق. نتمنى لو أن العرب وصلوا إلى هذه الدرجة من الرقي الفكري. نتمنى أن يظهر بينهم بيسمارك يوحدهم كما وحد عشرات القوميات الألمانية في دولة واحدة أصبحت من أقوى دول العالم. أما ولدينا مثل هؤلاء الحكام فحلم الوحدة أبعد ما يكون.

وعودا على بدء، نعم الثمن سيدفع. ثمن الشباب الأردني سيدفع كما بيعت الأرض والشركات والثروات. سنباع كما يباع أي قطيع أغنام فالراعي نفسه. نعم سيدفع لشبابنا قليلا من المال كما يدفع لجنودنا البواسل في كوسوفو وتاهيتي وغيرها من بؤر الصراعات، وسيتمكن هؤلاء الجنود من بناء غرفتين في قراهم أو شراء شقة في مدنهم، وسيتمكن الأعزب منهم من الزواج من ابنة عمه، إنما لن يتحقق مفهوم الوحدة العربية بأي من مضامينها وغاياتها. سيتم إفراغ الأردن من شبابه القادرين على محاربة العدو الإسرائيلي وإلهائهم مؤقتا في أحلام الثراء والثروة في الخليج، وخلال ذلك ستتمكن اسرائيل من استكمال مخططاتها في طرد الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم حتى إذا استكمل المخطط عدنا أجراء نستجدي العالم وطنا بعد أن يلفظنا الخليج كجسم غريب متطفل، استنفذوا أغراضهم منه.

أما الذين باعوا الأرض والبشر فسيغادرون وسيتركون البلد بعد أن استنزفوه وتركوه قاعا، صفصافا.

وليد السبول walidsboul@hotmail.com