رهانات القاهرة بعد الفيتو الروسي



لم تنتظر الرياض طويلا لتوجه انتقاداتها إلى القاهرة بعد موقفها الداعم لمشروع القرار الروسي في سوريا؛ فهل لهذه الانتقادات أي تداعيات سياسية واقتصادية على علاقة الرياض بالقاهرة؛ والأهم من ذلك هل من تداعيات للموقف المصري على العلاقات الأمريكية المصرية باعتبارها الدولة الثانية من حيث المساعدات والرعاية للدولة المصرية؛ إذ تقدم للقاهرة ما يزيد عن3 مليار دولار سنويا.
فرغم الصدام الدبلوماسي العنيف بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا من جهة اخرى؛ الا ان العلاقات الروسية المصرية في تحسن وتطور مستمر، خصوصا مع انطلاق المناورات الروسية المصرية، وإعلان روسيا رغبتها باستئجار قواعد مصرية مطلة على البحر المتوسط.
العلاقة الروسية المصرية تجاهلت حالة التوتر القائمة في سوريا، بل والتوتر الناشب بين إيران وورسيا والسعودية؛ متجاوزة العلاقات القوية التي نسجتها القاهرة مع الرياض خلال الاعوام الثلاث الماضية؛ ما يدفع المراقبين الى البحث في الرهانات المصرية خصوصا وان الولايات المتحدة الامريكية والسعودية تقف خلف الدعم والمساعدات المالية الكبيرة المقدمة لمصر.
القاهرة تغامر بعلاقاتها التاريخية بالولايات المتحدة الامريكية وبالمملكة العربية السعودية من خلال اقترابها من طهران وموسكو؛ وتزيد الامور تعقيدا خصوصا انها تخوض معركة مزدوجة الاولى في ليبيا وسيناء والثانية في اثيوبيا؛ ما يضعها امام استحقاقات كبيرة سياسيا وامنيا واقتصاديا.
علاقات القاهرة السياسية ملتبسة في ظل الروابط القوية مع الكيان الاسرائيلي التي نسجت على خلفية اتفاقية كامب ديفيد، بما لها من امتدادات وانعكاسات مباشرة على السياسة الامريكية المتبعة تجاه القاهرة؛ في حين ان العلاقة تزداد التباسا وتعقيدا في ظل التصعيد القائم بين القاهرة واثيوبيا، خصوصا وان اديس أبابا تملك علاقات ايجابية تعاونية بل تشاركية مع واشنطن خصوصا فيما يتعلق بالملف الصومالي.
ملف العلاقات المصرية الامريكية الملتبسة ينسحب على العلاقة مع دول الخليج العربي، فأطر التعاون المصري الخليجي في الملف الليبي واليمن باتت معلومة؛ الا ان تطورات الموقف المصري من الملف السوري تعقد المشهد السياسي وتزيد من غموض وضبابية هذه العلاقة والتحالف الهش المرتبط بها.
تقود المعطيات السابقة طرح أسئلة محرجة حول الدوافع الحقيقية للسياسة الخارجية المصرية المتقاربة مع موسكو؛ فهل المحرك الأساسي لها مواجهة ارتدادات الربيع العربي، ام أنها تقع في سياق إقليمي ودولي مضطرب.
مصر تتجه الى تعقيد ملف علاقتها الخارجية ببناء تحالفات متناقضة، والهاجس الاساس الذي يحرك هذه السياسة داخلي في الاساس، فهي تخشى من موجة مرتدة للربيع في ظل حالة التدهور الاقتصادي؛ ما عزز غياب الثقة بالتحالفات التقليدية في ظل انعدام اليقين السياسي؛ ما يدفعها الى محاولة بناء تحالفات مضطربة وغير متناسقة.
السياسة الخارجية المصرية تزداد اضطرابا كونها انعكاسا لواقع اقتصادي داخلي وبيئة اقليمية مضطربة؛ تبرز فيها الهواجس المحلية والازمات الداخلية كمحرك أساس للسياسات المتبعة؛ فهي تفتقد للرؤية الاستراتيجية وتعيش على هامش المناورة السياسية والتكتيكية بشكل أضعف قدرتها على التأثير في المشهد الاقليمي.
مصر هشمت تحالفاتها التقليدية باجراءات تكتيكية محدودة التأثير، دون توفر بدائل حقيقية لبناء تحالفات قوية ومؤثرة في المستقبل القريب، تبنى على ركام التحالفات القديمة؛ فروسيا وإيران والولايات المتحدة الامريكية لا تقدم بدائل حقيقية لصعوبة المراهنة عليها؛ اذ تنظر الى دول المنطقة العربية كساحة معركة وليس كحلفاء مستقبليين؛ أمر بالإمكان ملاحظته في سوريا العراق بشكل واضح.