ماذا لو غيّب الموت حسني مبارك؟
غياب حسني مبارك عن المشهد المصري والعربي بالموت، إنما هو مشهد سيستحق التقييم، فهذا الرئيس يجب أن يقيّم في ميزان التاريخ بعيداً من العاطفة الجارفة التي تقودنا أحياناً إلى أحكام مطلقة غير صادقة. فالحنين إلى حسني مبارك في مصر في حقيقته هو حنين للاستقرار ولهيبة دولة سقط جزء منها في ظل افتقاد مصر رجال دولة أقوياء، وفي ظل حكمه وازَنت الدولة بين السلطة المطلقة والمعارضة النسبية، في حين أن الرئيس نفسه أضاع فرصة تخليده في صفحات التاريخ لو كان تنحى عن الحكم في 2005 أو حتى في 2010.
وفاة حسني مبارك ستجعل البعض يسارع لحضور جنازته، بل سنرى آلافاً يذهبون لتشييعه إلى مثواه الأخير، من دون أن يدركوا أن هذا الفعل إنما هو العاطفة نحو رئيس عاش في ظل فكرة الرئاسة الأبوية للشعب، والتي فيها يكون الرئيس كل شيء، انتهت بعزله وأصبحنا أمام الرئيس المسؤول الذي يُحاسَب. أنهى مبارك فكرة أن الرئيس يظل في الكرسي إلى وفاته وأصبح رئيساً سابقاً لمصر، يُشيَّع جثمانه شعبياً، من دون جنازة عسكرية، لكن وسط إجراءات أمنية مشددة أثناء صلاة الجنازة، وبعدها إجراءات مواراته الثرى. بلا شك سيكون هناك مشهد مؤثر ستتناقله محطات التلفاز في مختلف أنحاء العالم، فهل ستفوق جنازة مبارك جنازة جمال عبدالناصر؟ بالطبع لا، لأن هنا جيلاً جديداً ناقداً يطرح التساؤلات ويرى الأمل في المستقبل. ولذا فإن الشعب المصري أنهى مرحلة الزعامة لكي ينتقل إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة أن الرئيس واحد من البشر وليس فرعوناً له بعض صفات الألوهية. إن الحنين إلى مبارك يذكرنا بالحنين في العراق إلى صدام حسين وفي تونس إلى الحبيب بورقيبة، فالاستقرار ودوام الحكم سنوات يُولد لدى البسطاء ألفة مع الحاكم. بغياب حسني مبارك، بالموت، ستطوى صفحة من تاريخ مصر ومعها عبء سلبياتها. كان مبارك وريث شرعية الانتصار في 1973 وامتداداً لشرعية ثورة 23 تموز (يوليو) 1952. الآن في مصر شرعية جديدة تتبلور بمرور الوقت قائمة على التعقيد والتركيب مستمدة من حركة الشارع ومكوناته المتعددة. هذا ما رأيناه في اخراج مشهد 3 تموز 2013، والذي تصدرته قوى عدة تعبر عن تعقيد وتركيب المشهد في مصر المعاصرة.
تقييم حسني مبارك يقتضي أن نقول إنه خالف وعده للمصريين حين تولى الحكم العام 1981 بأنه لن يبقى في السلطة غير مدتين رئاسيتين، 12 عاماً فقط، فجلس في سدة الحكم 30 عاماً، متفوقاً على كل من عبدالناصر والسادات. كان لمبارك في بدايات حكمه طبقة من رجال الحكم امتازوا بالخبرة والحنكة، على رأسهم فؤاد محيي الدين، السياسي المخضرم، وأسند الكثير من المناصب إلى ذوي قدرات مثل عاطف صدقي الذي كان له دور كبير في ضبط إيقاع الاقتصاد المصري. أفسح مبارك مساحة نسبية كانت غير مسبوقة لحرية الرأي والنقد، لكن احتكاره للسلطة سنوات طويلة وجمود نظامه أدى إلى تكلس الدولة، وانسداد الأفق أمام جيل القرن الحادي والعشرين، حتى حينما طُرِحَ ملف التوريث، لم يقدم جمال مبارك ومجموعته مشروعاً إصلاحياً شاملاً، بل تعامل أحمد عز، رجل جمال مبارك في سنوات حكمه الأخيرة، على أنها شركة يجب الاستحواذ على أسهمها، ما جعل عدداً من السياسيين يترحمون على إدارة كمال الشاذلي للانتخابات، والتي كانت تستوعب المتغيرات والعائلات وتعطي هامشاً للمعارضة.
أخيراً، ماذا لو طوينا صفحة الماضي ونظرنا إلى المستقبل؟