الدولة المدنية ومساحة التضليل



لم يخالف حزب او تيار سياسي شعار الدولة المدنية، ولكن لم يتقدم حزب او مشروع حزب حتى اللحظة بتعريفه الخاص او تعريف عام لمعنى ومبنى الدولة المدنية، حتى الاحزاب الدينية خاضت الانتخابات تحت شعار الدولة المدنية، ويبقى السؤال المطروح طالما توافقنا جميعا على الدولة المدنية، لماذا يحصل كل هذا الاشتباك السياسي والتنافس حد التراشق بين المكونات السياسية على الدولة المدنية ولماذا التأليب على حملة شعاراتها، والاخطر، لماذا الربط بين انصار الدولة المدنية والعلمانية والربط بين العلمانية والالحاد وتضليل المجتمع لحصد اصطفافات وتاييدات لكل حزب او تيار على حساب منافسيه وبالمحصلة على حساب الحالة الوطنية بمستوياتها السياسية والثقافية والاجتماعية رغم ان الالتفات الى الاخيرة قليل من كل الاحزاب ومشاريع الاحزاب ؟

الضلالة تكمن في رفض كل طرف من اطراف الاشتباك في نشر تعريفه ومفهومه للدولة المدنية، وكأن الامر اشبه بحالة من حالات ما يطلبه الجمهور، وتكتفي الاحزاب ومشاريعها بإيماءة من رأسها لكل راغب بتعريف في ذهنه وبالتالي فإن مساحة المسكوت عنه في مفهوم الدولة المدنية خطير ومُلتبس وخالق للصراع، فهو من جهة شعار يستهدف تعويم محسوب للاحزاب ذات المرجعية الدينية والشعار ليس اكثر من غطاء مدني للحصول على موطئ قدم على ارض الشرعية السياسية والقانونية، ومن هنا نفهم فكرة القوائم المختلطة مع احزاب وشخصيات سياسية مدنية .
ومن جهة الاحزاب ذات الصبغة المدنية حسب تعريفها لنفسها، يصبح الشعار مجرد مناورة لحصد اصوات المخالفين للاحزاب ذات المرجعية الدينية، بغية الوصول الى الحضور على ارض الشرعية الشعبية ومقاعد البرلمان، اي ان طرفي المعادلة غازلا الرغبة الشعبية على اختلاف تلاوينها ولم يسعيا الى ضبط المصطلح وتعريفه حتى يتسنى لاحقا محاسبة كل طرف على سلوكه السياسي والتصويتي تحت قبة البرلمان، ولا يعدو الامر اكثر من مناورة سياسية فرضتها لحظة الانتخاب وبعدها يعود كل طرف الى سلوكه ووعيه، فالاحزاب ذات المرجعية الدينية تخلّت لحظيا او تكتيكيا عن شعارها التاريخي ( الاسلام هو الحل ) وهو الشعار الذي انتجته الجماعة الاخوانية واستنسخته باقي الاحزاب ذات المرجعية الدينية وحتى بعض المرشحين المستقلين فترة عزوف الجماعة عن المشاركة السياسية ولم تلبس رداء الدولة المدنية وتحمل شعاراتها فعلا، وكذلك الاحزاب ذات الصبغة المدنية ارتدت الثوب لتمييز نفسها وتقطف ثمار مخالفتها ولكنها لم تحمل المشروع .
مساحة تضليل الرأي العام ما زالت قائمة وستبقى طالما يرفض كل طرف تظهير واعلان تعريفه الواضح لمعنى ومبنى الدولة المدنية واشتراطاتها ومعاييرها في المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وخوض معركة التنوير على كل مساراته، والاهم تعريف موقف الدولة المدنية من الاديان وتعريف مساحة الاشتباك والتنافر بين العلمانية والالحاد ورفض كل اشكال التطرف سواء التطرف الديني او التطرف العلماني ومدى قبول الآخر ومن هو الآخر ايضا، فالازمة الحقيقية اننا حتى اللحظة لم نضبط المصطلح حتى يسهل التعريف لتتحقق شروط المحاسبة والرقابة على كل التكوينات السياسية بشقيها الرسمي والمدني وحتى يقتنع المجتمع ان كل تلاوينه السياسية تحمل شعار الدولة المدنية ولا تستثمر فيه لحظيا ومصلحيا فلا ينقص الاحزاب المزيد من انعدام الثقة .
omarkallab@yahoo.com