عيش حياتك

عيش حياتك

 

 في لحظة تأمل في الأفق البعيد وفي صفنة متعمقة جلست ، تكورت على نفسي وأعدت شريط العمر من أوله ، واستحضرت كافة اللحظات وحتى الجزئيات البسيطة  من حياتي ، وسئلت نفسي نفس السؤال الموجود في المجلة التي أغلقتها منذ قليل

 

                            " هل عشت حياتك " ؟! .

 

في البداية كانت الاجابة سهلة نوعا ما ، فأجبت " أحسن من هيك عبث " ، في لحظة تمرد وخيلاء أخرى أجبت " عشتها بطولها وعرضها " ، لكن كان هناك ثمة شك في هذا الأمر ، وبدا لي أن هناك حلقة مفقودة ، استدعتني الى حمل اسطوانة اوكسجين لأتمكن من الغوص الى عمق الاجابة المنطقية وهذا ما توصلت اليه

 

في السنين الاولى لا أعرف الكثير بسبب الطفولة التي لم يعلق في الذهن منها الا القليل ، لكني اذكر اني قضيت الوقت بالدراسة والتعليم كي انجح واحصل على اعلى الدرجات وادخل الجامعة ، حتى لا يقال عني "هامل" ، في هذه الفترة كان الخوف هو العنصر الملازم للمسيرة خوف المعلم وخوف الاسرة ، حتى اذا ما وصلت الى المرحلة الجامعية ، أصبح الهم الغالب هو التخرج ضمن المدة الزمنية حتى لا يقال عني أيضا " اني قضيتها بالجامعة داير " في هذه الفترة ايضا كان الخوف هو سيد الموقف ، خوف من الاسرة والاقارب .

 

بعدما تخرجت أصبح الهم والهاجس المتواصل هو الحصول على فرصة عمل ، حتى اذا ما حصلت عليها تحول الهم فيها الى روتين قاتل تحت عنوان نم باكرا واستيقظ باكرا ، في حالات الملل كنت اغير هذه العبارة الى عبارة " اللي بتنام عليه بتصحى عليه " هنا ايضا كان الخوف سيد الموقف ، فقد كنت احرص على الالتزام بمواعيد العمل ، كي لا يقال عني " كحشوه من الشغل أبو النوم " ، لا تجديد أبدا نفس الزملاء ونفس المراجعين حتى المعاملات هي نفسها .

 

بعد عناء الحصول على العمل وبعد الروتين وبعد ارتفاع نسبة البلادة ، تأتي مرحلة الزواج وهم المهر وتأثيث المنزل ومصاريف الزواج والعرس وتأمين ايجار البيت فيما بعد ومصروف البيت ...ألخ ، ثم قدوم المولود الاول ثم الثاني ثم الثالث ، وانتقال التفكير لتربيتهم وتعليمهم وتوفير حياة كريمة لهم والخوف على مستقبلهم .

 

 مع هذه الدوامة وهذا الروتين القاتل ، مع كل هذه المراحل المبتدأة بالخوف والمنتهية ايضا بالخوف ، مع كل هذه السنوات التي أكسبتني خبرة وسلحتني بأجوبة ، أكتشفت بان الجواب الوحيد للسؤال " هل عشت حياتك " هو انني نسيت اصلا ان أعيش .

 

ما يعزيني اني لست الوحيد .. هناك ملاين مثلي ، نسينا فعلا أن نعيش .

 

 

 

المحامي خلدون محمد الرواشدة

Khaldon00f@yahoo.com