المنطقة تتحول نحو الأسرلة والتقسيم



كعرب نحتاج في هذه المرحلة التاريخية المظلمة الى الخروج من حالة الإنكار التي نعيشها كدول وشعوب . اننا ننكر ما يلي :
١- ان الدول والانظمة هي اليوم في حالة انهيار ، عاجزة عن الدفاع عن نفسها وشعوبها وأمنها القومي . اما عجزهاالاكبر هو الفشل في بناء دول اقتصادية ومالية قادرة على حفظ استقلالها ومصالحها من خلال تنمية صناعية وزراعية وحضارية على قاعدة التعاون والتبادل لا إغلاق الحدود وقطع شرايين التجارة . وبناء على هذا العجز والفشل فان الجامعة العربية لم يعد لها مبرر واقعها يدل على ذلك . انهار حائط برلين وانهار الاتحاد السوفيتي وانهارت البورصات العالمية واشتعلت المنطقة بالربيع العربي وحروبه الاممية والداخلية ومع ذلك ظلت الجامعة على حالها كشاهد زور . ان الاعتراف بانتهاء الجامعة لدفنها مع مصائبها وفشلها هو خطوة ضرورية لكي يبحث العرب ، او من تبقى منهم ، عن اطار مؤسسي جديد يضم الدول التي لا تزال انظمتها قائمة + البحث عن تحالفات إقليمية مع دول غير عربية مثل تركيا . .....استمرار وجود الجامعة مهزلة ، وانكار الحاجة الى ( مؤسسات وتحالفات عربية واقليمية جديدة ) في موجهة التقسيم والأسرلة هو تقصير وقصر نظر !.
٢- الدول والانظمة في حالة إنكار ، ان لم تكن غيبوبة سياسية ، يدل عليها سياسات داخلية وخارجية منفصلة عن ارض الواقع ما يشير الى انها لا تملك مطابخ فكرية لشؤون الامن والسياسة والاقتصاد ، كالتي تميز الدولة الحديثة ، ولا تملك مؤسسات وطنية ترقى الى مستوى الاخطار التي تواجهها الدول والشعوب ، اخطار لم يسبق ان مر بها العرب في عصورهم الحديثة . نحن امام ( عشوائيات سياسية واقتصادية وامنية ) تزيد من حالة الانهيار والتدهور العام ، وتذلل المصاعب امام ما هو جار العمل عليه باتجاه (الأسرلة والتقسيم الطائفي والاثني) . لا مستقبل لدول وشعوب تساس أمورها بالرغبات والانفعالات وتغيب عنها مطابخ الافكار ومؤسسات الدولة الحديثة ..ان الافكار هي التي تصنع السياسات والتي بدورها تضع القوانين التي ترشدها للعمل الوطني وفي جني المصالح من السياسة الخارجية .
نحن امام دول لا بوصلة لها الا ما يرسم لها من الخارج ، دول على حافة الفشل التام تنازع من اجل البقاء . وتحت وطأة هذا وذاك تنقسم الشعوب ، بين من تدفع ثمن هذا الانهيار من أرواح ابنائها كافراد وعائلات وملل وطوائف ، وبين من تعيش في حالة إنكار لما يجري من حرائق تلتهم الوطن العربي معتقدة انها ان نجت ففي ذلك السلامة ، غير قادرة على ادراك هذا الخلل الهائل في التوازنات الذي يعيشه الشرق الاوسط على حساب وجود الجميع ومستقبل الجميع من المحيط الى الخليج .
٣- الدول والانظمة في حالة إنكار لحقيقة ان ضعفها وانقسامها واحتراباتها الداخلية قد حولتها الى ( رجل مريض ) تستقطب كل طالب نفوذ من الدول الإقليمية غير العربية مثل ايران ، ومن الدول الكبرى ممثلة بامريكا وروسيا ، حيث يشعل الجميع حربا تنافسية قبل الجلوس على الموائد لرسم خريطة ( يالتا ) جديدة لبلاد العرب . ان وجود الجيوش الروسية والأمريكية والايرانية والتركية في سوريا والعراق هو بطاقة حضور الى طاولة اعادة تقسيم المنطقة حسب قوة نفوذ كل دولة . روسيا تقف لأول مرة في تاريخها على بعد خطوات من استقرار وجود دائم لها على شاطئ المتوسط ، وإيران تريد هلالا شيعيا بتغلغل ميليشيات الفتنة وزوال الهوية العربية ، اما تركيا فدخلت متأخرة الى ساحة المعارك من اجل حماية أمنها ومستقبل وحدتهامن خرائط تقسيم تهدد وحدتها فهل تنجح ؟. .
٤- الدول والانظمة تعيش حالة إنكار لحالة الانهيار في جسور التحالف والمصالح بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية . نظرا لما طرأ ويطرأ من تغييرات في الاستراتيجية الامريكية تجاه العرب والشرق الاوسط كله ...مشكلة امريكا اليوم هي مواجهة ما يسمى (بالارهاب السني) وكل ممارساتها في سوريا والعراق وآخرها قانون ( جاستا) تبين لكل بصير ، بان السياسة الامريكية تجاه العرب هي في حالة تحول عميق وانها تتجه بخطوات ثابتة نحو تحقيق مسألتين أ- خلق منظومة ( عمل دولي جماعي ) وهي نظرية اوباما في مواجهة الأزمات العالمية لمحاربة الاسلام السياسي كما الاسلام الجهادي ، او بتعبير اخر داعش وكل تنظيم سني اخر يحمل السلاح . عمليا تقوم امريكا اليوم باستغلال (مسألة تقاطع المصالح ) مع روسيا ، وتركيا وإيران ، لدفعها الى تحمل الجزء الأكبر ف حرب بالانابة ( على الارض ) من اجل هزيمة داعش . اصبح التخلص من ( الارهاب الاسلامي هاجسها الأكبر ) وعليه لم تعد عابئة بمصير اي دولة او اي شعب ، لا بخطوط سايكس بيكو او غيرها ، لا بنفط العرب ولا بطلبات حمايتهم والدفاع عنهم بوجه ايران وغير ايران . ما يهمها هو التحالف مع موسكو وطهران وليس مع دول الخليج وغيرها .
المسألة الثانية : ان امريكا حزمت امرها بالاعتماد كليا على اسرائيل ودعم كل جهد يؤدي الى اسرلة المنطقة ، فهذا يغنيها عن تحالفات مع عالم عربي اصبح عبئا عليها ان في الامن او في السياسة والدفاع . واذا كانت امريكا ومعها اسرائيل تبدوان غير مكترثتين بتوسع النفوذ الايراني والروسي في سوريا والعراق ولبنان فإنهما في نهاية الامر المستفيدان استراتيجيا ، لان ما تفعله موسكو وطهران سيؤدي حتما الى ظهور دويلات طائفية تزيل اي اخطار امنية تهدد مستقبل اسرائيل بل ستجعل الدولة العبرية تعيش افضل احوالها بما يضعها امام فرصة فرض الأسرلة من شاطئ المتوسط حتى أربيل وشواطئ الخليج . بالأسرلة تحمي امريكا مصالحها ونفوذها ، وبتقسيم سوريا والعراق ستقوم دويلات تحارب بعضها وتحتوي إرهابها في داخلها بما يريح اوروبا وامريكا .
الطريق الى الأسرلة والتقسيم في المنطقة بات مفتوحا ما دامت الانهيارات تتواصل في منظومة الانظمة القائمة وفي احوال شعوبها وايضاً هذا الانهيار الملموس في التحالفات العربية الامريكية التقليدية . لا يوجد في الأفق ما يدل على وجود امكانية لوقف هذه الانهيارات كل ما هو ماثل امامنا تطبيع عربي ورسمي مع هذه الانهيارات مع التسليم بتقبل ما هو اسوأ في مستقبل الايام .
" لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ---ولا سراة اذا جُهالهم سادوا "
" والبيت لا يبتنى الا له عمدٌ -- ولا عماد اذا لم ترسم أوتاد "
" فان تجمع أوتاد وأعمدة -- لمعشر بلغوا الامر الذي كادوا "
هذه أبيات حكيمة لشاعر من الجاهلية تصلح لعصر جاهلية جديد العرب فيه اعراب ...