المشهد المقلوب وصلاة الرفض
لعل حادثة المناهج واللغط الذي دار فيها وعنها يكشف حجم العوار الذي لحق بالعملية التربوية برمتها , فمشهد حرق الكتب المدرسية سيلتصق طويلا في اذهان الطلبة والمعلمين والاخطر مشهد اقامة صلاة الجماعة في باحات المدارس كرد فعل رافض للمناهج الجديدة , والرسالة تقول بوضوح ان المناهج تعتدي على عقيدة المجتمع بدليل مجابهتها بصلاة الجماعة في بعض المدارس , وثبت على لسان تربويين وقورين واكاديميين لا يقلون وقارا عن التربويين زيف اغلبية الاتهامات للمناهج وستسجل قضية المناهج ضد مجهول في نهاية المطاف ولن يعرف الناس من اثار القضية ومن دحرجها مثل كرة الثلج ومن بالغ وأثار وزوّر .
لا اعرف حتى اللحظة كيف مرّ مشهد صلاة الرفض على الجهات المعنية بهذه السهولة ودون اي تعقيب او تعليق ومحاسبة ايضا , فهذا الرد كان الاعنف على الاطلاق ولا ابالغ ان قلت انه اخطر من حرق الكتاب المدرسي , فالرد بالصلاة يعني تكفير واضح لمن يؤيد المناهج الجديدة ومن أقرّها ومن طبعها ومن حملها الى الطلبة , وتلك اول خطوة تجريبية لممارسة المنهج الفردي او الجماعاتي في اللجوء الى مناهج خاصة يمكن ان تفرضها جماعات على اعضائها واولادهم ومريديهم , وهذا تأسيس لشرخ ممنهج في المجتمع على ارضية الفسطاطين , فسطاط الصلاة وفسطاط الضلالة والغيّ .
خلال الاسابيع الماضية كانت الاحداث تطرد بعضها البعض , فحادثة الاغتيال طردتها حادثة اتفاقية الغاز وهذه طردتها حادثة اطلاق الاعيرة النارية في الاحتفالات النيابية والاخيرة طردتها حادثة المناهج ولاحقا مناهج المدارس الخاصة التي ثبت بالبرهان الملموس انها تسير دون رقابة او قراءة حتى , وكل ذلك جرى وسط سيولة مريبة على مواقع التواصل الاجتماعي , مما يعني ان ثمة كتائب الكترونية تعمل براحتها ودون ادنى رقابة على عملها , فليس سهلا ان يتم تجييش كل هذه المواقع دفعة واحدة الى حد انتاج ظاهرة على صفحات وحوائط الناس العادية التي لم تتفاعل مع الردود الاكاديمية او التصريحات الرسمية مثل تفاعلها مع الاشاعات الممنهجة , فهل سنصل الى مطالبة الحكومة الى تشكيل فريق حرب الكتروني او دائرة حرب افتراضية لمواجهة هذا التيار المؤسسي في مواقع التواصل الاجتماعي ؟
الاصل ان تتصدى التيارات والقوى السياسية والمدنية للرد على اجراءات الحكومية وقراراتها , لكن المشهد المقلوب بات هو الاصل , حيث تتحرك الحكومة صاحبة الولاية العامة للرد على الاشاعات والحملات المُدارة بمهنية وحرفية عالية، الدولة اعادت استنهاض ظاهرة خطيرة باسترضائها للاصوات الغاضبة ومحاولة اسكاتهم بالتعويض , بدل ان تدافع عن قراراتها وتستنهض المؤمنين بالتطوير والاصلاح وتتحالف معهم بشكل واضح ومعلن , فما عاد الاسترضاء قادرا على تحقيق الغاية او تشكيل مؤمنين بالدولة العصرية ودولة المواطنة وهذا لا يتم دون المكاشفة والوضوح لان ذلك اول اشتراطات تكوين الاحلاف المؤمنة بدل سياسة الاسترضاء التي سرعان ما ينقلب اعوانها على الفكرة .
omarkallab@yahoo.com