أقلام «مفروشة» للإيجار!



-1-
شعورك بالقهر على أوضاع أمتك لا يساوي شيئا مقابل رؤية نخبها تستمرئ الذل وتسوغ ، وتسوّقه باعتباره حكمة وبطولات!!
-2-
لم يعد يغيظني شيء في هذه الدنيا، كما يغيظني فداحة ما تقوم به بعض النخب الإعلامية والدينية في بلاد العرب، من تسويق للاستبداد وتسويغ له، ومنطقته، بحيث يبدو للمشاهد أو السامع مستساغا منطقيا، وما هو كذلك ولو دهنته عسلا وترياقا، بل هو سم زعاف لا تنطلي حيلته إلا على السواد من العامة، الذين لا يعلمون من أين وإلى أين، ولا متى ولا متى ولا كيف، بل هم لاهون عن تلكم الأسئلة الكبرى بمطاردة رغيف خبزهم، لعلهم يلحقون به، وهؤلاء هم الضحايا الأساسيون للمجرمين من مسوقي الأخبار الكاذبة والتحليلات الفاسدة، ولا يشبهون في عرفي واعتقادي إلا حملة البشاكير على أبواب مخادع ذوات الرايات الحُمْر!
-3-
إذا صَلُح العالِم، صلح العالَم، ويبدو أن ثمة من يصنف النخب على تنوعها من ضمن العلماء على اعتبار أن لديهم تميزا ما عن العامة، وإن لم يصلوا حد العالِمية لكنهم عادة ما يكونوا مؤثرين في المجتمع، فبعضهم يوجه الرأي العام، وبعضهم يصنع وعي المجتمع، ومنهم أيضا يختار الزعماء قادة ومناصرين، وبطانة، وهم أداة من أدوات البناء أو الهدم، لهذا فإن في صلاحهم فائدة كبيرة للمجتمع، كما في فسادهم كارثة عليه!
من أكثر المواقف استفزازا لي، ما اتخذته بعض النخب من انحياز ضد حرية الرأي، في غير ساحة عربية، ومدافعة هؤلاء عن تكميم الأفواه، وملاحقة أصحاب الكلمة، ومعاقبتهم عقابا شديدا بسبب ما يكتبونه، هنا أو هناك، بل إنني شهدت تشفيا من قادة رأي بمن يعتقل بناء على رأيه، أو يلاحق في رزقه، أو يضيق عليه، والسبب اختلاف وجهات النظر بينهم وبين الطرف الآخر، مثلا كيف تفهم احتفال الإسلاميين بقمع اليساريين، والتشفي بهم؟ وكيف تفهم وقوف أهل اليسار والقومية في صف سلطة تبيد الآراء الأخرى، خاصة إذا كانت يمينية كما تصفها؟ ألا يعتقد هؤلاء ان احتفالهم بمن يقمع صاحب رأي هو تعميق لمبدأ قد يطالهم هم أيضا في وقت ما من دورات الزمان، والزمن دوار كما يعلمون؟
المثقف الذي يخون زميله المثقف، فقط لأنه من اتجاه آخر، هو في الواقع يخون نفسه، لأن الدكتاتور أعمى، ولا يرى غير مصلحته، وفي الوقت الذي يشعر أن ثمة تهديدا لدكتاتوريته من أي طرف كان، فهو لن يتسامح معه، وقد يستعين بفئة على أخرى، حتى إذا استتب له الأمر، مال على من ناصره في وقت ما، فبطش به!
النخب العربية مدعوة أن تكف عن تأجير ضمائرها، ومداهنة القويّ، ليس لأسباب تطهرية أو طلبا للملائكية، بل من أجل مصالحها الذاتية قبل كل شيء، لأن المثل الأزلي يقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض، ومن يستمتع بأكل الثور الأسود، ليس لديه مشكلة مع أكل الثور الكحلي، أو الكاروهات!
إن تشفي صاحب رأي باعتقال صاحب رأي، هو عار كبير على من يقترفه أن يتوارى عن الأنظار، لأن الحرية لا تتجزأ، ومن يقربك اليوم، يبعدك غدا، والانحياز للمبدأ أولا، لا لمشاعر التشفي الوضيعة، والمنافع السريعة، والأعطيات، التي لا تليق بحملة الأقلام، إلا إذا كانت أقلاما مبرية، أو مفروشة، معدة للإيجار!