هل الإصلاح التربوي ممكن مع الضربة الاستباقية؟



بعد هذا الضجيج المزيَّف والمضلِّل ضدَّ التغيير التربوي، وضد تعديلات يسيرة مقابل ما ينبغي عمله بصدد المنظومة التربوية برمّتها، هل من الممكن أن نحلم مجرّد حلم بإصلاح تربويّ حقيقيّ جذريّ؟

هذا سؤال خطير يدور في الذهن كلما صعد مُدافع عن الكتب الجديدة يُري الشعبَ المضلَّل أن التعديلات لم تطل كتب التربية الإسلامية، وأنها لم تطل الآيات في كتب العلوم، وأنّ عدداً مهولاً منها ما زال مبثوثاً في كتب اللغة العربية وغيرها من المواد. الشعب الذي ضلَّلتْه ماكينة الإسلام السياسي بعدد محترم من الأدلة الكاذبة والأدلة الخادعة، مثل أن القدس أصبحت عاصمة إسرائيل، وأن الطفلة في الرسم تقضي حاجتها في العراء، مع مقارنات سقيمة بين ما كان في الكتاب القديم وما صار في الكتاب الجديد، من خلعٍ لحجاب المرأة في رسمين لا غير؛ واحد وهي تطبخ، والثاني وهي في الصفِّ تعلّم. والحقّ أن جميع المرافعات على الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي وعلى الفضائيات المحليّة أقنعت حتى من ليس في وجهه نظر، أنّ التغييرات التي حدثت لم تكن جوهريّة، وأنها لم تمسّ الحضور الديني الكثيف في جميع المواد، وأن ما جرى ليس إلا من قبيل تصحيحٍ تربوي ضئيل (!) يراعي الطالب وحاجاته قبل كل شيء. وهكذا فهمنا جميعاً أنّ وزارة التربية لم ترتكب إصلاحاً من أي نوع، وأنّ الحملةَ عليها كانت مغرضةً تماماً.
ومع أنني أرى أن التعديلات ليست هي المطلوبة في الإصلاح التربوي المنشود، وأنها لا تجانب الصواب في جوهرها، إلا أن السؤال الخطيرَ يظلُّ قائماً: هل إن الدفاعات الكثيرة، وخصوصاً تلك التي قام بها من هم في لجان المناهج نفسها، ستسمحُ في يوم قريب لتطوير المناهج بما يقلبها رأساً على عقب، ما دام المعيار في الدفاع كان: انظروا.. هؤلاء النسوة في بقية الصور محجبات... انظروا ما زال عدد الآيات في كتب العلوم كثيفاً! انظروا ما زال عدد الأسماء الإسلامية كاسحاً! انظروا ما تزال أدعية الجن والاستخارة والاستسقاء معتمدة! انظروا ما زلنا نقول للمرأة أن تطيع زوجها وأنه متقدمٌ عليها بالقوامة، وأنه يستطيع تأديبها بالضرب! انظروا.. حتى السور التي فيها عذاب جهنَّم ما زلنا نقدمها إلى الأطفال ليتَّعظوا على بكير! وانظروا.. ما زلنا نطلب من الأطفال أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر (كعلماء ختموا العلم)، وأن من رأى منكراً فليغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه الذي هو أضعف الإيمان، وأن عليهم أن يطلبوا أقوى الإيمان طبعاً الذي قد يزينه معلمهم لهم أن يكون سيفاً! ألم تكن هذه الدفاعات نفسها هي من قبيل الضربة الاستباقية لحظر التفكير في الإصلاح التربوي؟ وخصوصاً أنَّ المتحدّثين الأجلاء لم ينوهوا مجرّد تنويه إلى الحاجة الماسة إلى قلب المناهج قلباً، وأنها متخلفةٌ عن سباق العصر في المعرفة العلمية والتربوية تخلُّفاً جعلنا نسقط تعليمياً بحسب ما جاء في الاستراتيجية الوطنية للتنمية البشريّة. وكيف يمكن لأفراد، مهما بلغوا من النبوغ والإخلاص والمواكبة العصريّة، في لجان المناهج ومجلس التعليم، رقدوا فوق المناهج أربعين عاما أو ثلاثين، يوجهونها ويشرفون عليها ويتابعون هزالها، كيف يمكن لهم هم أنفسهم إن يقودوا الإصلاح فيها؟
أرجو أن لا تكون ضربة استباقيةً، تلك الدفاعات الهزيلة عن الكتب الجديدة، تمنع الوزارة من التطوير، كما أرجو أن تثبت الوزارة جدّيتها في الإصلاح باختيار فريق جديد يملك أدواته من الرؤيا الإصلاحية والمعرفة الحديثة والبسالة في مقارعة الجهل والأميات الكثيفة الرانية على القلوب والأذهان... وإلا فإنه ضحكٌ على الذقون!
دعونا لا نفقد الأمل..!