ماالجـــــــــــــديد بخطاب اوباما

                  الجديد بخطاب اوبــــــاما

 

الكاتب الصحفي زيادالبطاينه

سمع أوباما  واسمع العالم   سمع اوباما  أصوات أولئك الذين ذكرهم في خطابهبالامس  بوضوح حتى أنه حفظ كلماتهم.. لكنه لم يسمع صوت مئات الآلاف التي طالما هدرت تطالب بحقها بالعودة إلى ديارها وأرضها وبيوتها.. ولم يسمع طوال ستين عاماً ونيف صوت الملايين من الشعب الفلسطيني ولا صراخ الأطفال وانات النساء وتنهدات الثكالى  في المخيمات.. أو في سجون الاحتلال..!!‏

لم يسمع أوباما.. ولم يرَ ماجرى ويجري في الضفة وغزة من قتل وحصار وتجويع.. لم يشاهد طائرات الاحتلال الإسرائيلي وهي تغتال الفلسطينيين.. ولم يسمع أيضاً أصوات العراقيين الذين قتلتهم طائراته..

لم يسمع ولم يرَ الشباب الفلسطيني وهو يجتاز حواجز الاحتلال والغامه، ويقطع مئات الكيلومترات ليلوّح بمفتاح بيته في يافا.. ولم يسمع أو يرى جنود الاحتلال وهم يقتلون الأطفال والشباب!‏

يبدو أن مالم يسمعه الرئيس باراك أوباما كان أكثر بكثير مما سمعه.. وما أغفله كان أكبر مما ذكره.. وماتعمد تجاهله يشي بالكثير مما أخفاه.. ومارآه أضيق بكثير مما وارب عن رؤيته، وماشاهده أقل مما غض الطرف عنه فجاء اليوم  ليسمعنا .........

 


              امس  كرّس الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً لسياسات بلاده في «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». هنا العنوان الرئيسي: اندماج المنطقة في التجارة الدولية وإزالة العوائق والقيود الاقتصادية والسياسية. الحاجة إلى الاستقرار ترتبط بتلبية هذه المصالح الاقتصادية الأميركية وبأمن إسرائيل.

 

تصرّف أوباما تجاه حكّام المنطقة بلغة الآمر الناهي في ما يجب أن يفعله هذا وذاك إلا إسرائيل. لم يعكّر مزاج صديقه نتنياهو بكلمة عن الاستيطان بل قدّم له الاعتراف «بيهودية الدولة» مقابل دولة فلسطينية «منزوعة السلاح» في حدود 1967.

 

 

 لكن أوباما لم يضع مهلة لهذا الحل ولا تفصيلاً لقضاياه المعقدة من القدس إلى حق العودة والمستوطنات. مرة أخرى ينطلق الموقف الأميركي من الدفاع عن المشروع الإسرائيلي ولا يقترب من الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. في اللغة الإنسانية هناك تمييز مسبق بين «ما يمكن» أن يهدد الأمن الإسرائيلي وبين معاناة الشعب الفلسطيني المتمادية. لم يطلب أوباما من إسرائيل سوى التفاوض

 

 

 

 ومع ذلك رفض نتنياهو فوراً «زلة لسان» أوباما عن حدود 1967. حين يبدي أوباما تعاطفاً مع الشعوب العربية التي تخضع للقمع ينطلق بفصاحة في إدانة بعض الحكّام العرب، لكنه يتلعثم ولا يجد التعابير المناسبة لوصف أوضاع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. على كل حال في يد الأميركيين أوراق جديدة للضغط على الموقف العربي. لعلهم اليوم يعرضون حلولاً كالتي أعقبت الاختلال الكبير في النظام العربي لحظة اجتياح النظام العراقي الكويت. ظهر الأميركيون آنذاك كمنقذ من تلك الورطة. وها هم اليوم وسط هذه الفوضى العارمة، ولو من باب أزمة التغيير في البلدان العربية، يتقدمون بصفتهم أولياء صالحين.

 


يستثمر الأميركيون فشل السياسات العربية. ما هو مشترك عربياً غياب الدولة الحديثة وغياب السياسة العقلانية وتقدم العنف بكافة مظاهره وأشكاله.
الحداثة التي وفدت إلينا في نصف القرن الماضي وأنتجت دساتير وجمهوريات وأشكالاً من المؤسسات تشبه في مسمياتها مؤسسات الغرب، لم تتأصل في مجتمعاتنا وظلت قشرة هشة على سطح بنية متأخرة.
جرى تبرير هذه الأوضاع الشاذة وما يزال باسم التحديات الخارجية، ثم تحوّل الاستثمار في الأمن وتقديم الاستقرار على أنه هبة الدولة الأكبر للمجتمع. لكن مظاهر الفساد والثروة والامتيازات أسقطت شرعية الأمن ذاتها في مجتمعات تنتج أجيالاً من الشباب لا تتعرّف في السلطات القائمة على أي من طموحاتها ولا حقوقها. هذه الفجوة العميقة والكبت في السياسة أخذا قطاعات واسعة من الجمهور إلى ثقافات خلاصية بعضها حداثوي ومعظمها سلفي. هذه البيئة العربية هي التي تتحرّك أو يجري تحريكها في الداخل والخارج لتغيير أوضاع لم تعد قابلة للحياة.
لكن التوتر الاجتماعي والسياسي لا يأخذ طريقاً مستقيماً وسط هذا الكمّ الهائل من التعقيدات والتناقضات والمصالح والمؤثرات. فلا حاجة لنا لمزيد من التوصيف في طبيعة الحراك العربي طالما أنه يطلب التغيير في شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم وعلاقة السلطة بالمجتمع.
الداخل العربي على تنوع ظروفه ومعطياته هو الحامل الموضوعي لما صار يسمى شرعية دولية تحت عنوان التدخل الإنساني. نحن أمام قابلية عربية توفر الانكشاف السياسي والأمني للتدخل الغربي الفظ والمنافق في البُعد الإنساني لاحتواء المجال السياسي وتحويره في اتجاه مصالح الهيمنة الاستعمارية. لا يفاجئنا هذا الحضور الغربي على خط الأزمات العربية وسرعة وتصاعد الضغوط «الأطلسية» حيث تترجم في الواقع إزالة العوائق السياسية من أمام بناء توازن «شرق أوسطي» ما زالت إسرائيل عند الغرب مملكته المميزة والممتازة.
هاجس «المؤامرة» يجب أن يفهم بصورة أفضل بعد كل هذه التجارب منذ مطلع القرن الماضي. كانت «الثورة العربية الكبرى» آنذاك حاجة موضوعية، لكنها كانت قوة ضعيفة أمام احتواء المشروع الاستعماري لها.
ثورة ضعيفة قيادة ومكوّنات وبرامج وسياسات. وثورة اليوم حاجة موضوعية وضعيفة إذا هي اتكأت على هذا «الخارج» ولم تحسم في خطابها وبرنامجها وممارستها بأنها حركة وطنية وحركة تحرّر تقدمية تقاوم الوصاية والتدخل. لا يمكن تبرير ولا حتى تفسير هذا الاختلاط بين حركات التغيير ووصاية الدول ورعايتها في العواصم القريبة والبعيدة.
لا تستطيع حركات التغيير أن تمنع الغرب من «التدخل» لكنها يجب أن تؤكد استقلالها وحرية قرارها وصياغة برنامجها الواضح في الداخل لا أن تقدم نفسها من على منابر وفي غرف المنتديات الغربية.
العقوبات التي يفرضها الغرب، مدنية أم عسكرية، عدا كونها لم تطاول مرة واحدة حلفاءه وأصدقاءه، هي خطة استنزاف للشعوب كما ظهرت من العراق إلى ليبيا. لقد تمت محاصرة العراق لعشر سنوات قبل احتلاله. وتتم الآن محاصرة ليبيا وليس الحاكم الليبي. خلف هذه السياسات الغربية تلك «الخطة الاقتصادية الشاملة» التي تحدث عنها أوباما، وهي تدمير هذه البلدان لإعادة تعميرها بواسطة النهب المزدوج. مرة بسوق السلاح ومرة بمقاولات الإعمار. ما أوحى به خطاب أوباما أن جدول الأعمال الأميركي سيتوسع ليشمل «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
أعلن عن ذهاب حاكمين ووعد برحيل الآخرين. يحرث الأميركي اليوم في أرض طرية كلما تعاظمت الفجوة بين الحكّام والمحكومين. أما فلسطين فهي «الطعم» الأميركي الذي يستخدمه الأميركيون كما يستخدمون «الديموقراطية»، الأول لحماية إسرائيل والثانية لحماية المصالح الاقتصاديp

 

 

pressziad@yahoo.com