لبنان والانهيار الكبير

 


«لبنان ليس على خريطة الصراع الإقليمي في الوقت الحالي، وغير ملحوظ في أوراق أيّ تفاهم دولي. قد يتغيّر الوضع بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وانجلاء الصورة ميدانياً في سورية»، يقول دبلوماسي غربي، ويضيف: «لا تتأففوا من هذا الشلل أو السبات العميق الذي تعيشه دولتكم، لأنهما جنّبا لبنان صراعات كانت لتقضي على ما بقي من استقراره وأمنه».

 

 

لكنّ خوف اللبنانيين، كلّ خوفهم، من أن يتحوّل هذا السبات العميق، بمباركة دولية، إلى موت سريري لا صحوة منه. ويمتدّ الشلل الذي أصاب رأس الدولة، إلى مؤسسات وإدارات أخرى، رسمية وغير رسمية. ويصبح الحديث اليوم عن مفاوضات جدّية لانتخاب رئيس أشبه بصحوة ما قبل الموت التي تصيب المريض المحتضَر قبل أن يُسلم الروح. فما نعيشه اليوم من انهيار على كلّ الأصعدة، الدستوري منها والاقتصادي والاجتماعي والبيئي وحتى الأخلاقي، يشبه حالات العدم التي تسبق التكوينات، ولا يُعرف أيّ تكوين أو تفتيت ينتظر لبنان بعد هذا الانهيار الكبير.

 

 

وتبدو المطالبة بميثاقية جديدة تحت ضغط الشارع، كالارتماء في بحر هائج عنيف، غير مضمون النتائج، فالشارع اللبناني غدّار، مع تغلغل داعش في الشمال والبقاع الحدودي وفي المخيّمات الفلسطينية على شكل خلايا معدّة للتفجير تنتظر ساعة الصفر. وهي لن تجد أفضل من فرصة فوضى الشارع، كي تنقضّ على الاستقرار اللبناني وتنهش في جسده الهشّ. وما التفلّت الأمني المتقطّع هنا وهناك، سوى إنذارات بقرب الانفجار الكبير. سياسياً، لا بدّ من القول إن الظروف الراهنة لا تساعد على البحث في ميثاق جديد، فلا الأطراف اللبنانية مستعدّة، مع كلّ التزاماتها الخارجية، لمؤتمر تأسيسي، ولا الخارج المتورّط بحرب استنزافية طويلة الأمد، مهتمّ باستضافة هكذا مؤتمر وتمويله ورعايته وضمان تنفيذه، فللطائف خصوصيته وظروفه، التي لا تشبه ظروفاً أخرى، والتي لم تتكرّر حتى الساعة.

 

 

كلّ شيء في لبنان معدّ للانفجار ذاتَ شرارة، كلّ شيء منذور للانتظار المميت على حافة هاوية لا قعر لها. وماذا بعد التقهقر المستمرّ؟ البعض يبشّر بكانتونات طائفية، والبعض الآخر بتقسيم للمنطقة يضمّ أجزاء من لبنان الكبير إلى سورية بحدودها الجديدة. وهناك من يتخوّف من جعل لبنان وطناً بديلاً للاجئين السوريين، مع دعوة المجتمع الدولي الدول المجاورة لسورية إلى توطين النازحين الملتجئين إليها.

 

 

لا ضوء في آخر النفق. لا نور كهرباء، ولا حتى مولّد كي نستدلّ إلى منفذ خلاص، كأن الشعب اللبناني يقيم في براد نتن، رائحته برائحة النفايات المتخثرة التي لم تجد لها الحكومة حلاً فكوّمتها عند مفترق الطرقات وفي الجبال والوديان وفي الأنهار، متغاضية عن الفيروسات القاتلة والأمراض الخبيثة المنبعثة منها، متقاذفة مسؤولية إيجاد حلّ موقت أو دائم لها.

 

 

الشتاء على الأبواب، كذلك التمديد للمناصب العليا المتبقّية. أما المشاورات والاتصالات والاجتماعات الثنائية والثلاثية، فهي طُرَف وتسالٍ خريفية لتمرير الوقت الضائع حول المدفأة أيام البرد المقبلة.

 

 

 

 

 

 

 

 

* صحافية وشاعرة لبنانية

 

 

للكاتبTags not available