مم يخشى الملقي؟!
يلاحظ أنّ رئيس الوزراء د.هاني الملقي، تفرّد عن الرؤساء السابقين بأنّه إلى الآن، وبالرغم من مرور قرابة 4 أشهر على تشكيل حكومته الأولى، ثم تشكيل الحكومة الحالية (الثانية)، لم يخاطب الرأي العام الأردني بصورة مباشرة، ولو عبر حوارٍ صحفي أو تلفزيوني معدّ مسبقاً؛ ليتعرّف الناس على أفكاره وآرائه في الملفات الساخنة التي تحيط بنا في المنطقة، أو بالحدّ الأدنى بشأن القضايا الداخلية الكبرى!
المفارقة في هذه الملاحظة أنّ الشهر الماضي (أيلول/ سبتمبر) تحديداً، كان مكتظاً بالملفات والقضايا والقصص التي شغلت الرأي العام، حتى أنّ الجميع أصبح يتمنّى نهاية الشهر قبل المزيد من الكوارث. ولا داعي لاستعادة القصص العديدة؛ من اغتيال ناهض حتر إلى الانتخابات النيابية، وأخيراً الغاز الإسرائيلي، كما الجدل الهائل حول المناهج، والانقسام المتزايد بين الناس على خلفيات أيديولوجية ومجتمعية، وقبلها كمّ كبير من الأحداث، لم يعرف الأردنيون الرئيس خلالها إلا عبر بيان صحفي لمجلس الوزراء!
ربما يتوهّم البعض أنّ شخصية الرئيس ضعيفة، أو أنّه غير متحدث، حتى يخشى المواجهة مع الرأي العام. وهذا لمن يعرفه غير صحيح؛ بل هو يمتلك قدرة جيدة على الحوار والنقاش، وصياغة آرائه ومواقفه بصورة جيدة. وحتى ما عُرف عنه من سمات انفعالية في بعض الأحيان، عندما استلم حقائب وزارية سابقاً، يحاول أن يسيطر عليها ويلجمها.
إذن، لماذا يصمت الرئيس ويترك فراغاً كبيراً في المشهد السياسي، وتبدو الحكومة في مواجهة الأحداث الحالية وكأنّها غير موجودة أصلاً، ما لم ينعكس فقط على شعبية الرئيس المتدنية جداً، بعد مائة يوم من تشكيل الحكومة، ولا يسبقه من أسفل السلم إلا فايز الطراونة وعدنان بدران، لأنّ المواطنين لم يعرفوا الرئيس بعد، ولم يشتبك معهم؟!
هذا السؤال من المفروض أن يجيب عنه الرئيس ومستشاروه المقرّبون. فهو، أولاً وأخيراً، صمتٌ غير مبرر، ولا منطقي، وربما يراه البعض استهتاراً بالرأي العام أو رغبة في تجنب الدخول في معارك سياسية داخلية، إذا ما تحدث علانيةً وقدّم مقاربته وآراءه ومواقفه بوضوح.
أو أنّ هنالك تقليداً بدأ يتكرّس في مرحلة لاحقة من حكومة د.عبدالله النسور، ويتمثّل في أنّ الأفضل أن يصمت الرئيس ويترك الملفات الداخلية الساخنة، مثل الأحداث الأمنية والسياسية، وحتى الخارجية، للمسؤولين الآخرين، بينما يكتفي هو بإدارة الملفات اليومية وتنفيذ السياسات الإدارية والاقتصادية، وهي لا تحتاج إلا إلى مدير ناجح وليس إلى رجل سياسي أو رجل دولة له حضور وكاريزما ومواقف تميّزه عن غيره من الرؤساء الآخرين وتترك بصمته السياسية في البلاد!
مثل هذه المقاربة فاشلة بامتياز، وتعني عملياً القضاء على موقع رئيس الحكومة وعلى أهميته، وإلغاء قيمته سياسياً، وتحويله ومن معه من وزراء إلى طاقم تكنوقراطي بلا نكهة سياسية حقيقية. عند ذلك سيكون السؤال المهم: من يتولى مهمات الاتصال سياسياً وإعلامياً مع المواطنين؟ ومن يواجه الاستحقاقات الداخلية والخارجية؟! من سيملأ هذا الفراغ الكبير؟! الجواب: لا أحد؛ ما أثّر خلال الفترة الماضية كثيراً على موقف الدولة وأضعفه، ولفّه بحالة من الغموض والضبابية!
ربما كان الرئيس، وهذا تفسير وليس تبريرا، في مرحلة ترقّب، ويشعر أنّه في البرزخ (خلال الأشهر السابقة)، ليس مؤكّداً فيما إذا كان سيبقى أم يرحل. وهو الآن يعدّ نفسه لمواجهة مجلس النواب، وتقديم نفسه للرأي العام. نأمل ذلك. دعونا، إذن، نتعرّف على شخصية الرئيس وكأنّه رئيس الحكومة للمرة الأولى في "مواجهات" القبة القادمة!