تداعيات قانون «جاستا»


بات قانون «جاستا» وهي التسمية المختصرة لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 ايلول بمقاضاة الحكومة السعودية ناجزا بعد أن تجاوز مجلس الشيوخ الأمريكي بسهولة فائقة في 28 ايلول الماضي الفيتو المفروض سابقا من قبل الرئيس باراك أوباما كما كان متوقعا فقد حظيت المبادرة حول رفض الفيتو الرئاسي بدعم أغلبية ساحقة في المجلس، حيث صوت 97 عضوا فيه من أصل 100 لصالح تجاوز النقض فيما عارضه واحد فقط وامتنع عضوان آخران عن التصويت.


إن تفعيل «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، من شأنه أن يرفع الحصانة السيادية التي تمنع إقامة دعاوى قضائية ضد حكومات الدول التي يثبت أن مواطنيها شاركوا في هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد استخدم في 23 ايلول الماضي حق الفيتو ضد مشروع القانون باعتباره «قد يلحق أضرارا بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة على نطاق أوسع وأنه يهدد أيضا بتعقيد علاقاتنا مع أقرب شركائنا»، وقال أن الوثيقة «لن تحمي الأمريكيين من العمليات الإرهابية ولن تزيد من مدى فعالية الإجراءات الجوابية» وأضاف بأن مشروع القانون «يعارض أسلوب العمل الذي التزمت به الولايات المتحدة في الساحة الدولية على مدى عقود»، محذرا من أن هذه الوثيقة «قد تدمر مفهوم الحصانة السيادية، التي تدافع عن المواطنين الأمريكيين منذ زمن طويل».

على الرغم من فيتو الرئيس إلا أن أوباما لم يبذل أي جهد حقيقي ولم يمارس أي ضغوطات فعلية لتجاوز وإبطال مشروع القانون الأمر الذي يكشف عن طبيعة التحولات في حقل السياسة الدولية وتبدل النظرة الأمريكية التقليدية الخاصة بحلفائها فالرئيس أوباما كان قد كشف في 10 اذار 2016 في حوار صحفي مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية عن طبيعة تحول النظرة الأمريكية للمنطقة وإعادة بناء أسس التحالفات الجديدة حيث قال إن «دول الخليج والسعودية تؤجج الصراع الطائفي في المنطقة، وتنتفع بالمجان من خلال دعوتها لأمريكا للحرب دون المشاركة فيها» وأضاف في تصريحاته التي عرفت إعلاميا باسم «عقيدة أوباما»، أن «المنافسة الإقليمية بين السعودية وإيران أدت إلى تغذية النزاعات في اليمن والعراق وسوريا»، مطالبا المملكة بضرورة مشاركة المنطقة مع إيران، وفي سياق تبدل النظرة الأمريكية للسعودية من دولة حليفة في مواجهة التطرف والإرهاب إلى دولة تعمل كحزام ناقل للراديكالية والإرهاب وعلل أوباما محاججته من خلال أرخنة تاريخ التطرف بالقول: «لأن السعوديين والدول الأخرى دفعت بالأموال، وأعداد كثيرة من الأئمة والأساتذة، نحو البلاد، ففي التسعينات، مول السعوديون بشدة المدارس الوهابية، التي تعلم النسخة الهوياتية من الإسلام والتي تفضلها العائلة الحاكمة السعودية»، وعندما سئل أوباما «أليس السعوديون أصدقاءك؟» ابتسم وقال: «الأمر عقد».

هكذا فإن إقرار «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» جاءت على خلفية تحولات السياسة الخارجية الأمريكية فقد تسارعت عملية إقرار القانون بوتيرة لافتة مع قرب حلول الذكرى السنوية الخامسة عشرة لهجمات 11 ايلول 2001 حيث أقر مجلس النواب الأمريكي بالإجماع في 9 ايلول 2016 على مشروع «قانون جاستا» الذي يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 ايلول بمقاضاة الحكومة السعودية طلبا لتعويضات وذلك بعد مرور أربعة أشهر من تبنيه في مجلس الشيوخ في ايار 2016.

أصبح مشروع «قانون جاستا» قانونا أمرا واقعا ولم تعد مسألة إلغائه ممكنة مع إمكانية إجراء تعديلات طفيفة ويبدو أن هذه التعديلات المقترحة في حال إقرارها سوف تحاول قصر القانون على ضحايا 11 ايلول ومقاضاة السعودية وعدم التوسع في تطبيقه خشية من إقرار قوانين مماثلة في دول أخرى تقاضي الولايات المتحدة وبهذا فإن قانون «جاستا» يبدو مصمما للسعودية.

وكان 15 من 19 شخصا خطفوا الطائرات التي استخدمت في اعتداءات 11 ايلول 2001 من السعوديين وعلى الرغم من التصريحات الرسمية الأمريكية المتتالية التي برأت المملكة العربية السعودية من أي مسؤولية عن الهجمات إلا أن ذلك بات من الماضي مع تبدل الظروف وتغيّر السياسات الأمر الذي سيتيح إقامة دعاوى بمحكمة اتحادية في نيويورك يسعى من خلالها المحامون إلى إثبات أن بعض المسؤولين في المملكة العربية السعودية كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، ويحتدم الجدل والنقاش في واشنطن حول ما إذا كان يجب رفع التصنيف السري عن 28 صفحة من تقرير أحداث 11 ايلول يعتقد أنها تتطرق إلى أدوار محتملة لحكومات وكيانات أجنبية بينها.

لم تفلح الجهود الدبلوماسية السعودية المعارضة لمشروع القانون في ثني أمريكا عن إقرار القانون كما أن أن تهديدات السعودية ببيع سندات أمريكية وأصولا تصل قيمتها إلى 750 مليار دولار إذا أصبح المشروع قانونا لم تكن مجدية وكانت خطوة متأخرة جدا، كما لم تنجح حملة التضامن العربي واستنكار جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي لمشروع القانون.

قانون «جاستا» جاء عقب التقارب الأمريكي الإيراني والتباعد الأمريكي السعودي ونتيجة منطقية لسياسات أوباما الخارجية التي تبنت منذ وصوله للبيت الأبيض منظورا استراتيجيا يقوم على مفهوم «إعادة التوازن الاستراتيجي» من خلال التحول نحو آسيا ــ المحيط الهادي والتي استندت إلى إعادة النظر في تحديد أولويات أمريكا بنقل الثقل الاستراتيجي نحو المناطق الأكثر نموا ووضع صراعات الشرق الأوسط في مرتبة متأخرة.

خلاصة القول أن قانون «جاستا» أصبح سيفا مصلتا على حلفاء أمريكا التقليديين بعد أن تبدلت الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط ولم تعد أولوية على الصعيد الاستراتيجي الأمر الذي ظهر جليا عبر جبهات المنطقة في سورية والعراق وليبيا واليمن حيث فتح الانكفاء الأمريكي المجال واسعا لتدخل لاعبين آخرين كروسيا وإيران بينما راهن الحلفاء التقليديون في المنطقة كالسعودية على عودة أمريكا لسياستها التقليدية في المنطقة ولم تدرك أن ثمة تحولا في نظرة أمريكا للسعودية والتي باتت تعتبرها إشكالية باعتبارها أصبحت تمثل حزاما ناقلا للتطرف والراديكالية والإرهاب بنسختها السنية الوهابية على حد الرؤية الامريكية.