هكذا ظهر مجتعمنا مكشوفا..!


ما حدث في الاسابيع الماضية اعادنا الى السؤال المهم الذي تجاهلنا الاجابة عنه بصراحة، وهو سؤال يتعلق بما فعلناه بانفسنا، تفرع عنه سؤال اخر وهو : الى اين نحن ذاهبون في الايام المقبلة ؟
جردة حسابات هذه الاسابيع طويلة، لكن ابرزها حادثة اغتيال الكاتب ناهض حتر، وكرة تعديل المناهج التي تدحرجت من النخب الى الشارع، ثم التغييرات التي طرأت على الحكومة والاعيان، واخيرا صفقة الغاز التي ابرمت مع اسرائيل .
لا اريد ان اخوض في تفاصيل هذه الاحداث، فقد حظيت بنقاشات وردود افعال واسعة، لكن ما يهمني هو الصورة التي ظهر فيها مجتمعنا عند تفاعله معها، وهي صورة لا تبعث – للاسف – على الاطمئنان، ففيما كنت اتمنى ان نكون في هذه المرحلة بالذات على قلب رجل واحد، فإن هذه الأزمات كشفت عن ملاحظات مفزعة، استأذن في الإشارة الى بعضها باختصار.
الملاحظة الاولى هي حالة الانقسام بين القوى السياسية وما ترتب عليها من تداعيات على الصعيد الاجتماعي، الثانية هي غياب الظهير السياسي للدولة، ليس فقط بسبب تعطل السياسة او غموضها، وانما ايضا بسبب حالة الاستعداء التي تصاعدت بين التيارات السياسية، ثم افتراقها على قاعدة تضارب المصالح والاجندات، الملاحظة الثالثة هي عودة الشارع الذي كدنا نظن انه استسلم للصمت، وهذه العودة تزامنت مع نهاية الانتخابات البرلمانية ومع تشكيل حكومة جديدة( لاحظ هذا التزامن )، ما يعني ان ازمتنا السياسية لا تزال قائمة، واما القضية الرابعة فهي القطيعة التي بدت واضحة بين الدولة واجهزتها وبين المجتمع، ففيما التزم بعض المسؤولين بالصمت، وتعامل اخرون مع هذه الازمات بمنطق " الاستفزاز " مع غياب التنسيق، تحرك المجتمع بشكل غير منتظم للرد، فاختلطت الحقائق بالاشاعات، ودخلت اطراف اخرى لتوظيف ما جرى لحساباتها، اما صوت " العقل " فقد غاب تماما عن المشهد .
ما حدث –بالطبع- لم يفاجئنا ويصدمنا فقط، فنحن نمر بمرحلة مزدحمة بالاحداث والمفاجئات الصادمة، لكن الاخطر من ذلك انه "كشفنا”، فلقد تصورنا في لحظة "استرخاء” بعد ان تجاوزنا ازمات المنطقة وتحولاتها ان الامور هدأت، وان بوسعنا ان نفعل ما نريد دون ان يعترض الناس، كما تصورنا ان لدينا "عقلا” سياسيا يمكن ان نعتمد عليه، وان مؤسساتنا لا تزال تتمتع بما يكفي من عافية لكي تكون مقرارتها صحيحة ومقنعة، وان قضايا "صغيرة” مثل تعديل المناهج او تعيينات واستقالات هنا وهناك لن تثير اهتمام الشارع او تستفزه، لكننا للأسف اكتشفنا ان المسألة اعمق من ذلك بكثير، وان تحت رماد "الصمت” احتقانات يمكن ان تنفجر، وانتقادات يمكن ان تتحول الى حراكات في الشارع، وحالة "صمت” طويلة يمكن ان تفضي الى صراخ وضجيج...وربما فوضى ايضاً.
لقد ظهر مجتمعنا "مكشوفاً” امام ازمات كان يمكن ان تكون عابرة او مفتوحة لنقاش "عقلاني” يزيد من تماسكنا، كما ظهر مسؤولونا "مكشوفين امام وقائع كان يمكن التعامل معها بحكمة وصدقية تقنع الناس بها اولاً وتطمئنهم ثانياً على قيمهم وثوابتهم وعلى سلامة بلدهم ايضا.
الآن، لابدّ ان نتوقف امام هذه "الملفات” لكي نفهم اين اخطأنا واين اصبنا، فلا يجوز ان نغمض عيوننا عما افرزته من وقائع او او نحملها على "اطراف” واشباح حاولوا الدخول على الخط لتوظيفها والاستفادة منها، هذا منطق عفا عليه الزمن، لاننا –عندئذ – سنتجاهل مسألتين مهمتين: الاولى ان ماظهر على السطح له امتداداته وجذوره في عمق المجتمع، وبالتالي فإنه مجرد اعراض لامراض يتوجب معالجتها، اما المسألة الثانية فهي ان الاصرار على هذه الاخطاء، وتخريجها بشكل او بأخر، او فرضها على الناس دون الانصات لارائهم وافساح المجال لمشاركتهم فيها، سيفتح امامنا ابواب الصدام والانقسام من جديد، وسيولد لدى الناس المزيد من الخيبة والاحساس بالعجز والاحباط..وهذا ما لايريده "عاقل” في هذه المرحلة الخطرة التي ينهار فيها كل شيء امامنا، ونحاول –جاهدين- ان يبقى بلدنا صامداً في وجه العاصفة.