مغالطات حول الكراهية وحرية التعبير
يدفع تصاعد خطاب الكراهية والتحريض الذي يشهده الفضاء العام في الأردن وتحديدا بعد جريمة اغتيال الفقيد ناهض حتر نحو المزيد من الاجراءات القانونية أو فرض بعض أشكال الرقابة التي قد تحد من حرية التعبير، هنا هل نحن في مأزق حول مستقبل حرية التعبير في الأردن؟ في ضوء ما يحدث من توظيف سلبي للدين وللعواطف والانفعالات في معارك هلامية لا شكل لها ولا تخدم إلا مصالح سياسية معلنة وأخرى خفية .
ثمة مغالطات في مناقشة هذه المسألة تحتاج المزيد من الإيضاح؛ الأول: هل ثمة فرق بين حرية الإعلام وحرية التعبير؟ نعم؛ حرية التعبير هي حق كافة افراد المجتمع في التعبير عن الاراء والمواقف أو تقديم المعلومات وحدودها مفتوحة. أما حرية الإعلام فهي مقيدة بالقواعد المهنية والأخلاقية وأحيانا القانونية في بعض المجتمعات وبالمسؤولية المجتمعية، وحرية الإعلام حق للإعلامي ولوسيلة الإعلام. أما حرية التعبير فهي حق للمواطن، هنا يبدو المأزق حينما يصبح المواطن يمارس حريته بالتعبير على وسيلة إعلام بدون ضوابط مهنية أو أخلاقية أو قانونية أو مسؤولية مجتمعية كما يفعل الصحفي ولكن بدون حارس بوابة يراقب تدفق الآراء والمعلومات، وبالتالي فإن البحث عن آليات جديدة لإعادة التوازن بين حرية التعبير وحرية الإعلام بعد كل هذه التحولات هي موضع النقاش في العالم في هذه الايام، ولقد بدأ العديد من المجتمعات تطويرَ مقاربات جديدة ناجعة بهذا الشأن. بكلمات أخرى هل تمارس وسائل الإعلام المحترفة الشتم وتوزيع الاتهامات والقدح والذم والتشهير والإساءات كيفما تشاء؟ لا يحدث ذلك وإن حدث ففي حدود ضيقة، فالقواعد المهنية والأخلاقية والقانونية تحد من ذلك ولكن تلك القواعد والمحددات غير موجودة في الفضاء الافتراضي حينما يمارس الناس دور الصحفيين.
المغالطة الأخرى؛ عدم تقدير خطورة انتشار خطاب الكراهية على وسائل الإعلام الجديدة، فقد كانت محطة اذاعة محلية واحدة كافية لإشعال حرب اهلية مدمرة في رأوندا في العام 1994 راح ضحيتها نحو مليون إنسان خلال ثلاثة أشهر في اعلى معدل قتل شهده التاريخ البشري في فترة زمنية محدودة. خطورة خطاب الكراهية والتحريض تزداد كلما انتبهنا الى المعادلة التالية: من يقول ؟ وبأي وسيلة؟ ولمن تصل الرسالة؟ وما هي الرسالة وبأي تأثير؟ علينا ان ننتبه إلى ترتيب هذه المصفوفة، فمن يقول الكراهية يتحمل المسؤولية الأولى وهذا يختلف بطبيعة هذا المصدر والوسيلة، أحيانا كثيرة أهم من الرسالة ذاتها لأنها تحدد لمن تصل الرسالة؛ أي حجم الجمهور حيث يمكن أن يطرح أحدهم أطروحة تنطوي على كراهية في محاضرة أو جلسة، فإذا ما بقيت هذه الأطروحة في إطار هذه الجلسة فإن أضرارها لا يمكن أن تقارن بالأضرار التي يمكن أن تحدث إذا ما انتقلت الى وسائل الإعلام.
في شهر نيسان الماضي توصلت مجموعة من شركات الانترنت العملاقة والشركات المشغلة لشبكات الإعلام الاجتماعي وهي فيسبوك، يوتيوب، تويتر ومايكروسوفت إلى اتفاق بتطبيق ميثاق الاتحاد الأوروبي لمجابهة الكراهية، حيث تقوم الشركات بموجب هذا الاتفاق بالتعامل المباشر مع أي مضامين يتم التبليغ عنها على أساس أنها تنشر خطاب الكراهية. هذا التطور يعني التزام المشغلين الكبار للإنترنت بمدونة سلوك تم حاليا تطبيقها كقواعد تنظيمية في علاقات هذه المؤسسات مع الجمهور، وهذا "لا يقتصر فقط على المعلومات والأفكار التي يتم استقبالها، ولكنه حظر يطال التعليقات والإدراجات المسيئة التي تسبب صدمة أو تدعو للعنف أو التطرف أو التحريض". وهو الأمر الذي قد يتم تطويره في حدود الجغرافيا العربية وعلى المحتوى العربي فهناك ارادة عالمية وتوافق على استخدام كافة الوسائل للحد من الكراهية.
هناك اجراءات وطنية اتبعها العديد من دول العالم سواء من خلال أطر تشريعية خاصة بالحد من خطاب الكراهية أو إجراءات تتيح التدخل التقني في الحد من هذا التيار الجارف القابل للتوظيف السياسي والقادر على هدم ما بني بقرون وعقود بأيام قليلة؛ هنا علينا أن نتخلص من مغالطة أخرى مفادها: إن هذا الفضاء لا يمكن تنظيمه دون أن نمس بالحريات.