كلام مشعل .. إنقلاب داخل "الإنقلاب"!
أختلفُ مع الصديق د. أحمد جميل عزم في مقالته هُنا، في "الغد”، قبل ثلاثة أيام، أو ربَّما بشكلٍ أدقّ أرغبُ في مُحاوَرة المقالة المُهمّة التي عَنونَها الصديق عزم بـ " هل بدأ مشعل طقوس التقاعد”، وافترَضَ فيها أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يعيدُ النظر في بعض الأفكار، من باب النقد الذاتيّ، الذي يمارسه بعض المسؤولين، حين يخرجُ من أسْر المسؤولية والمنصب.
قرأتُ مطوّلاً ما قاله مشعل، في ندوة "التحولات في الحركات الإسلامية” في الدوحة، والتي خرَجَ منها أكثرُ الصحف بعنوانين لافتين هما "أخطأنا في حكم غزة وحدنا”، و”أخطأنا حين ظننا أن فتح قد انتهت”. وأذهبُ في تفسيري لما قاله المسؤول الحمساوي الأول الى نقطتين : الأولى أنَّه بات على قناعةٍ تامَّة بأنَّه لن يكون "المسؤول الحمساوي الأول” قريباً، وهذا ليس سراً، إذ يتردد الكلام منذ فترة طويلة عن تشكل، أو تنامي، تيار مضاد له داخل الحركة، والذي يُغلِّب كفَّة "اسماعيل هنية” للمنصب، بل إنَّ ما تسرَّب مؤخراً أنَّ هنية، بدوره، يفكر في الإقامة في قطر، ليحصل على مرونة أكبر في التعامل مع "القضية” بعيداً عن القبضة الإسرائيلية .. وهو ما اختاره غالباً الأمناء العامّون للحركات الفلسطينية، بخلاف الحزب الحاكم، الذي على العكس اقتضت الأمور قربه الجغرافي من "إسرائيل” لغايات التفاوض ! والنقطة الثانية ان السيد مشعل اختار بناء على ذلك، وبعيداً عن النوايا الطيبة عند
د. عزم، أن يُفخّخَ الطريق أمام خليفته بهذه التصريحات التي تُشيع البلبلة داخل تيارات حماس، وربما تؤدي لانقلاب داخل "الإنقلاب”، وتدفع بـ”فتح” الى التلكؤ في موضوع المصالحة، وتُنمّي من مشاعر الاستقواء لديها على حماس؛ ما دام رئيس مكتبها السياسي يقرّ بأنّها أخطأت!
أمّا عن مصلحة السيد مشعل في ذلك، فأظنُّها جليَّة تماماً، وهي في اتجاهين: الأوَّل أن "المسؤول الحمساوي الأوَّل” يدرك أنَّه حين يغادر منصبه هذا لن يعود له مجدَّداً، وهو بداهةً سيبحث عن المنصب الذي ألمحَ له مراراً قبل سنوات، وهو منصب "رئيس فلسطين”، وهذا يحتاج الى مصالحة الشارع الفلسطيني عموماً واسترضاءه ( وهو شارعٌ عاطفيٌ سريع التأثّر بالكلام) فضلاً عن مغازلة اسرائيل برسالةٍ مفادها بأنَّ الرجل لا يتبنى مشروع حماس تماماً ولا يرفضُ مشروع فتح تماماً، وهو ما أكدَّه غير مرَّة بقوله أنه مع دولة في حدود الـ 67 !
الاتجاه الثاني،ان السيد مشعل يدرك جيداً أن "الإسلام السياسي” بدأ يَضيقُ عليه الخناق شعبياً ورسمياً في الشارعين العربي والعالمي، وانَّه لم يعد ورقةً رابحة، والرهان على الخطاب الذي كان رائجاً قبل حروب غزة الثلاث، لم يعد صالحاً الآن في ظل تغيّرات وانقلابات الإقليم، وفي ظل الانفتاح الأوروبي الأميركي على إيران والتطبيع التركي الإسرائيلي والفتور القطري مع غزة والجمود أو القطيعة بين دمشق وغزة، وهو ما يعني أن السيد مشعل لو لم يقم بهذه "المراجعات النقدية” فسيصبح في اليوم التالي لإخلاء منصبه بدون أية آمال أو "علاقات” في المحيط وفي العالم. وعليه فهو يحاول الخروج من انتخابات المكتب السياسي المقبلة بأقلّ الخسائر، وبمؤونة نظرية تكفيه، وتقيه الحرج، حين يقدم نفسه لاحقاً كمرشح لمنصب "رئيس دولة فلسطين”.
وهو المنصب الذي يقوم بالمطلق، على أساس اوسلو، وورغم كونها مفارقة صارخة أو "بدعة” أن تعارض اوسلو وتتمتع بمزاياه وانتخاباته، إلا أن الفلسطينيين اعتادوا على التعامل مع هذه البدعة، لذلك لم يُصدموا الأسبوع الماضي مثلاً بتصريحات فاروق القدومي بأنه لن يدخل رام الله تحت سلطة أوسلو لكنَّه إن دُعي ليكون رئيساً للسلطة فلن يتردَّدَ في ذلك !