الدم الأزرق والدماء الحمراء: الحرية لسجناء الرأي في الإمارات
يستيقظ الراقدون من السبات ... تتفتح عيون السائرون نياما ... يخرج المهلهلون الرثة ثيابهم، والجائعون، والخائفون، والمظلومون، والمعدمون. يصرخ الغاضبون، ويرتدى المحزونون أحزانهم، وتتصاعد في العراء آهات المغلولون وتنكسر قيودهم. الحرية بكاملها. سقوط النظام. خلع الحاكم. محاسبة الفاسدين والمتسلطين والمترفين الذين أفسدوا في الأرض.
يوم تطول فيه قوائم المحاسبة.. وتتخلخل فيه العروش ويحاكم فيه الإنسان من انتهك إنسانيته ونصب ذاته فوق السؤال, فوق الحساب، بميراث الحاكم الإله.
شكرا لشعبي تونس ومصر، فقد ألهما العرب والعالم بصحوة الحقوق, وإمكانية الانتصار حتى على فرعون كان على عرش دولة المؤسسات الأولى في العالم العربي, وأعرقها, وأقدمها.
مبارك شعب تونس
ومبارك شعب مصر العظيم.
شعبان قدما الشهداء وسارا في مظاهرات سلمية. لم يحملوا السلاح، ولا استعانوا بقوى الإمبريالية والاستعمار القديم كي يتحرروا من استعمار بنى جلدتهم.
كان سر الثورة المبهرة ولا يزال هو قوة الشعب, وتلاحمه، واجتماع صوته. كان قول لا ضد من أجبروه على نعم الصامتة لعقود من الزمان كي يجلس قابعا ينظر هتك حقوقه واستغلال موارده وفساد حكامه وحاشيتهم واستنزاف أرضه وحرمانه من رزقه وتمكين أعداءه منه.
وبالتأكيد ما قام الشعب قومته إلا وقد سبقها ولسنين بالمطالب والنقد ومحاولة تقديم آراءه فيما يحدث.وقد دفعت أجيال من أعمارها بسبب ذلك في السجون والمعتقلات والمنافي والتشريد والموت والاغتيالات وتكميم الأفواه والحرمان من أمان العمل والرزق والحياة في أوطانها.
يتكرر المشهد في دول عربية أخرى ويواجه برد الفعل نفسه: السلطان في وجه المطالب, التشهير والاعتقال والقتل لأهل الرأي, والأشد وأدهى هو الاستعانة من قبل أهل السلطان بقوى حكومات عربية وغربية أخرى تساندهم في القمع والبطش بالشعب, والأقبح من ذلك استعانة فئة ممن ينصبون أنفسهم قادة للثوار بقوى إمبريالية واستعمارية وجيوش دول عربية ومنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لتحقق ثورتهم لهم والنموذجان في رأى مثالين للسقوط والخيانة لمبادئ الحكم والمواطنة والاستقلال.
وما من شك بأن هذه المواقف سوف تدفع إلى الطائفية, والحروب والانقسامات الأهلية, وربما النعرات القبلية, وكذلك الغل الكامن والرغبة في الانتقام من دول تتدخل في مصائر شعوب وتنصب نفسها حاميا ومدافعا وهى للأسف -العربية منها بالتحديد- لا تمارس الديمقراطية الحقة في دولها, وترتكز على حق الحكم القبلي والعائلي المتوارث, وتصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتعتقل الناشطين فيها وتحكم بالحديد والنار وتميز بين الطوائف والطبقات والأقاليم فيها.
إن دول مجلس التعاون الخليجي ليست بمنأى عن ما يحدث في العالم العربي ولا عن تطورات الحقوق والدساتير والنظم التي تخلق أسس الدولة الحديثة في القرن الواحد والعشرين. وإن كان الاحتلال الأمريكي وقوى التحالف قد غزى وفتت العراق وشنق صدام حسين ونهب الثروات والنفط والآثار ودمر المدن والقرى وأهان وذبح العراقيين في وطنهم وجاء بأعوانه ليحكموا العراق وعزز الطائفية والقوميات فيه, فإن الرواية والملحمة وتحول التاريخ لا يتوقف عند ذلك الانتصار البائس ويدعو إلى هزيمة النموذج المختل الذي أسست له أمريكا في العراق وأفغانستان.
من تونس إلى مصر مرت الثورتان بوعي الشعب وحصانته الحضارية وتراكم نضاله ووجود مثقفين ونقابين وبشر يعوون ما يريدون ويحققون ذلك دون اتكاء على قوة السلاح. قدموا الشهداء والدماء واستحقوا حرياتهم.
تحرك ذلك الوعي الجماعي التاريخي سريعا إلى بقية العالم العربي الذي يتشابه في توقه للحرية التي حلم بها لعقود والمعاناة التي طالما عاشها وفتكت به على أيدي بنى جلدته ممن حكموه وسلبوه وأهانوه وأذلوه بقمعهم وتضخم ذواتهم واستغلالهم لعروشهم ربما أكثر من قوى الاستعمار الذي عاش آباءهم وأجدادهم تحت نيره وجاهدوا ضده حتى نالوا استقلالهم بشرف حالمين بأوطان حرة وعصرية ومتقدمة تحترم حقوقهم وتعزز مواردهم ليلحقوا بركب قرن جديد تأخروا عنه بقرون كثيرة.
غير أن أبناء جلدتهم على العروش لم يستجيبوا وخدعوهم واستولوا على السلطة والمال وأشاعوا الفساد وأصروا على حرق الشعوب بالنار والحديد فأزداد الغضب حتى انفجرت الشعوب ولا عودة فقد فتح الجحيم أبوابه للجميع وصارت المسألة والمستقبل القريب على وعلى أعدائي مهما كبر بطشهم واضعين أمام أعينهم النصر التاريخي والمتحضر لثورتي تونس ومصر.
وعن الخليج سوف أتحدث:
الخليج الذي أنعم الله على أرضه وشعبه بالنفط والخير الكثير,وبالموقع الجغرافي المتميز بين قارتي آسيا وإفريقيا, وجعل الكعبة فيه محجا فى قلب الجزيرة العربية.
الخليج والجزيرة العربية مهد الحضارات القديمة وثقافات وأرض تحمل في طياتها رفات أنبياء ورسل وقديسين وصالحين.
الخليج الذي قاوم الأجداد فيه استعمار بريطانيا وهولندا والبرتغال ومنه ظهر شعراء المعلقات وأبن ماجد الرحالة والكثير من الحكماء والأدباء والمتصوفة.
هذا الخليج الذي صار اليوم يعرف العالم أجمع، ويجهل نفسه.
عاش أهلنا في الفقر, ولكن بكرامة وعزة وتكافل مجتمعي مبنى على الخير والتواصل. وساعدهم العالم وأخوىنهم العرب بالتحديد وخصوصا مصر قبل أن يصبحوا أثرياء العالم بالمدارس والتعليم والمستشفيات وغيرها كمعونة لهم. وكانت بيوت الطين والجريد تزخر بالكرم والطهارة والتواضع والاحترام.
ومع الاستقلال وتأسي الدول كان الآباء الحكام يشبهون شعوبهم إلى حد كبير, يعقدون مجالس الشورى مع أهل الرأي من الشعب ويستشيرون ويشارون ويوقرون المزاج والحال العام لوطنهم العربي ويتداعون له كالجسد الواحد: قوميون ووطنيون ويستطيعون قول لا بالفعل لأعداء أنهتهم ولنتذكر الملك فيصل والشيخ زايد رحمهما الله وحرب 1973 وقطع البترول عن الغرب وأمريكا.
لم تكن ألفاظ الجلالة والسمو والمفدى وغيرها أولوياتهم بل الرفقة والمحبة والكرم المتبادل بينهم وبين شعوبهم وأهلهم, فما الذي طرأ اليوم وجعل المسافة بعيدة جدا بين الحاكم والمحكوم في أطر الدولة الحديثة والجيل الجديد وعقليته الآمرة الناهية من الحكام في علاقتهم بشعوبهم؟!
لا تمثل الإمارات استثناءا عن بقية الدول العربية في تطلعها إلى المزيد من الحريات المدنية والعدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, ولربما تمثل وضعا أكثر حرجا وخطورة في عواقب الظروف القائمة فيها حاليا على مستقبلها القريب, وهى الدولة التي أرست ولأطول فترة في التاريخ العربي المعاصر مفهوم وواقع الدولة الاتحادية بين إماراتها السبع.
الصورة المطروحة إعلاميا عن الإمارات- وإلى وقت قريب جدا- أنها دولة تنموية مسالمة تتمتع بالنهضة العمرانية والاقتصادية رغم ما ألم بها من عثرات كبيرة نتيجة السياسات الاقتصادية أودت بها إلى أزمات مالية عالمية وخصوصا في إمارة دبي التي روجت نموذجا لنفسها وسياساتها التجارية ثم سقط ذلك النموذج بشكل مدوي لارتكازه على الفقاعة العقارية الضخمة وسلف البنوك والبيع للأجانب بشكل ضخم وكان ذلك قوام اقتصادها الجديد.
وأبرز ما يعترى الصورة - التي لم تعد نموذجية - لدولة الإمارات وتثير قلق شعبها الذي هو أقلية سكانية في بلده, وتدعو النخبة المثقفة فيها -بعد أن دقت جرس الخطر طويلا دون أن تستجيب الجهات الرسمية لندائها - إلى البدء في التحرك ورفع المطالب عاليا لاستعادة حقوقهم والمحافظة على أوضاعهم الديموغرافية كشعب في زمن تشتعل فيه الثورات في كافة أرجاء الدول العربية هو التالي:
- الوضع السكاني الخطير الذي يهدد وجودهم وهويتهم كشعب عربي في دولة فتحت الباب مشرعا للأجانب ولإقامتهم وعملهم وتملكهم للعقارات والشركات بشكل صار فيه المواطنون الإماراتيون أقل من 10 في المئة من السكان على أرضهم, وقد أكتفت الدولة ورجال الأعمال فيها والفئة الحاكمة بالأرباح التجارية والمالية من هذا الوضع المهدد للسلام الاجتماعي والأمن القومي وحقوق الإماراتيين المدنية المختلفة، مما ولد ظواهر شاذة تكثر فيها البطالة الوظيفية بين شباب الإمارات ويتم الاستيلاء على وظائفهم عبر تسريحهم من العمل أو إحالتهم مبكرا للتقاعد ليحل محلهم الأجانب المقيمين.
وتزامن ذلك مع جرائم النصب والاحتيال والسرقة وغسيل الأموال ووجود عصابات غريبة وافدة تمارس جرائم السرقة والدعارة والقتل وترويج المخدرات وغيرها من جرائم تزخر ببعضها من المسموح نشره في الصحف الرسمية في الدولة.
بل أن أرض الإمارات للأسف تم استخدامها لجرائم غريبة صار لها دوى عربي وعالمي كجريمة الموساد وقتل المبحوح وجريمة رجل الأعمال المصري وقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم وما تبع ذلك من تحقيقات وإعلام لاحق تلك الأحداث ولفت العالم إلى ما يحدث على أرض الدولة.
ولم خلو الصحف أيضا من أخبار وصور انتحار الكثير من الآسيويين وجرائم الخادمات وإضرابات عمال الشركات.
إن الترويج التجاري للتملك العقاري والتجاري في الإمارات فتح الباب على مصراعيه للعمالة الآسيوية الرخيصة وغير المدربة الوافدة للقيام بإعمال الإنشاءات وغيرها وغالبيتهم إن لم يكن كلهم من الذكور الشباب وقد خلق ذلك مشاكل كثيرة تصل إلى درجة الفضائح الاقتصادية ووصلت إلى منظمات حقوق الإنسان بسبب أوضاع كثير من تلك العمالة المعيشية وعدم نيلها لحقوقها المادية في ظروف متكررة بسبب جشع واستغلال عدد من أصحاب تلك الشركات المروج لها لهم وتسريحهم بدون أجور بعد انتهاء عملهم.
وقد خلق ذلك أوضاعا مهددة للأمن الاجتماعي في ظل وجود أعداد مهولة من العمال الذكور في مجتمع تمثل النساء فيه أقلية عددية مما شجع على جرائم الاغتصاب الذي نال نساء وأطفال وروج للدعارة الرخيصة وشبكاتها المستوردة وغير المرخصة في البلاد.
- يمثل التفاوت الاقتصادي وانعكاسه على البنى التحتية والخدمات وفرص العمل والنمو التجاري بين إمارات الدولة السبع تهديدا حقيقيا لمنظومة الوحدة بينها.
إن هناك إمارات تعانى من الفقر والإهمال والبطالة بشكل صارخ بين شبابها وتتلقى المعونات السكنية والمرفقية كهبات يعلن عنها في الصحف الرسمية. كما أن ظاهرة الانتماء إلى الإمارة وجدانيا صار واضحا في الخطاب الإعلامي والميل العام لتحديد الهوية التي يرى صاحبها انه "ظبيانى" أو "دبوى" أكثر منه "إتحادي" ربما بسبب المكتسبات المادية الأوفر حظا التي تنالها هذه الانتماءات من بقية الإمارات الأخرى في الدولة.
وقد رافق ذلك تمكين الأجانب والغربيين على وجه الخصوص من المراكز الحساسة والعليا والإشرافية والإدارية والاستشارية في الدولة والشركات وقطاع المصارف والبنوك وأجهزة الاستثمار بل وحتى المؤسسات التعليمية والإعلامية والجامعات والمدارس وبقية القطاعات وحتى العاملين والموظفين الشباب الجدد المحظوظين بفرصة عمل عليهم أن يقبلوا بالأجانب كرؤساء لهم وموجهين لعملهم مما يضع الأجنبي أكثر قربا من صانع القرار والسياسات في الدولة.
والأغرب من ذلك أن تحاك دولة بأكملها لتناسب مقاس الأجنبي لا المواطن في التعليم والإعلام بل وحتى الأنشطة الثقافية ومعظمها يشترط اللغة الإنجليزية التي صارت غير رسميا اللغة الرسمية لمؤسسات الدولة وقطاعاتها وتلاشت اللغة العربية وتوارت حتى عن ألسنة ووعى الجيل الصغير من الشباب والأطفال بسبب تلك السياسات التي أشرت إليها وكأن الإمارات بالفعل صارت مستوطنة في طريقها لأن تكون استراليا أو نيوزيلندة جديدة أو في أحسن الأحوال سنغافورة وجنوب أفريقيا.
كل ذلك يأتي ضمن منظومة التطوير والإقتداء بالنموذج الأمريكي أو الغربي دون مراعاة للجانب المحلى العربي الهوية أو حقوق المواطنين في أعلى المناصب الإدارية والاستشارية في وطنهم.
وقد أثر ذلك في الإعلام الطارد للعنصر الإماراتي وكذلك مؤسسات الجامعات الحكومية والخاصة ومؤسسات الثقافة التي تبدو موجهة للمقيمين الغربيين الأجانب أكثر منها إلى مواطني الدولة إلا حين يأتي الأمر لمهرجانات التمور والجمال والرقصات الشعبية والشعر النبطي.
- لقد زادت الصلافة الرسمية السياسية في الإمارات مؤخرا، وزادت الهوة في الحوار بين الفئة الحاكمة والشعب.
فالإعلام والصحف تعبر تماما عن وجهة النظر الرسمية وتعزز قدسية الشيوخ والحكام كأنصاف آلهة وتستبعد الإعلاميين والآراء التي تعبر عن وجهات نظر إنتقادية ومغايرة رغم أنها تمتلئ بقضايا الشعوب الأخرى والعالم وأقلام بعضها راديكالي عربي ودولي تناقش كل الأمور وبعض قضايا الجاليات في الصحف المكتوبة بالإنجليزية وتستبعد القضايا المحلية والسياسية الخاصة بمجتمع ودولة الإمارات ما عدا الإنجازات الرسمية وأنشطة الشيوخ والحكام وبعض قضايا الطلاق وحوادث الطرق وما شابهها.
وظهرت فئة من المنافقين الشرسين تبوء الصحف والمؤسسات الإعلامية والثقافية للدفاع والترويج لكل أداء ومنجز للشخصيات الحكومية والرسمية حتى لو كان الخلل باديا للعيون والمواقف مفضوحة على مستوى العالم وإعلامه.
ويفتقر الإماراتيون إلى منابر الرأي والمشاركة السياسة في الدولة والمشاركة في صنع القرارات فيها، كما يفتقرون إلى شفافية المعلومات الخاصة بدخل دولتهم من النفط والموارد وطرق توزيع ريع ذلك الدخل، وكذلك الوضوح فيما يخص الجوانب العسكرية والبوليسية والاتفاقيات المبرمة في الدولة في الوقت الذي يناط بأمن الدولة التدخل في كافة جوانب حياة المواطنين من صغيرها إلى كبيرها وملاحقة أصحاب الرأي وتكميم الأفواه والاعتقالات الفجائية دون سند قانوني أو محاكمة علنية وقضائية.
ولا يشكل المجلس الوطني المعين - والمنتخب المعين - ثقلا فيما يخص تمثيل الشعب والمسئولية التشريعية عن قرارات تخص واقع ومستقبل الدولة مثل المشاركات العسكرية التي حدثت في البحرين وليبيا وأفغانستان والعراق وغيرها من مناطق نجهلها أو وجود قاعدة عسكرية فرنسية وقواعد أمريكية أو بريطانية وخلافها في الدولة أو صفقات شراء أسلحة وطيران عسكري بعقود أسطورية من أمريكا وفرنسا مثلا، ولا حتى قرارات الفصل الجماعي والإحالة للتقاعد لعدد كبير يصل إلى الآلاف من المواطنين الإماراتيين في مختلف المجالات الحساسة دون تبرير ولا توضيح لدوافع تلك الإجراءات.
- تجاه ذلك كله لم يكن مستغربا أن تتعالى الأصوات القلقة من بعض مثقفي الإمارات تجاه المطالبة ببعض الحقوق وتقديم الانتقادات حول أوضاع تمس حاضر ومستقبل وطنهم كشعب في ظل تجهيل متراكم ومنظم قام على خلق صورة الحاكم والشيخ المقدس الذي لا يمس وكأن المطالبات وانتقاد السياسات والأوضاع مس بالذات الإلهية رغم وجود تراكم تاريخي لمثل تلك المطالب منذ تأسيس الدولة خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عبر منابر تم إغلاقها كالأزمنة العربية أو تحجيمها كاتحادات الطلاب والقانونين وجمعية الاجتماعيين وغيرها ... وعبر مظاهرات وإعتصامات ومسيرات حدثت في ذلك الوقت قبل أن يتم إغلاق المنابر واعتقال الناشطين وتسريح البعض من أعمالهم وتشريدهم واستخدام أمن الدولة ضدهم وسياسة الترهيب والترغيب التي أوتت بثمارها إلى حين.
لقد تم تكريس الإحساس بالمنة تجاه تقديم السكن والعمل والتعليم الذي كان حقا للمواطنين في الماضي وتم تحويل كل نقد إلى تهمة خيانة وطنية وكل ناقد إلى سكير أو معتوه أو منحل أو ساقط أو خائن عبر الإشاعات في عيون العامة والشعب.
وفى مجتمع لم يتعود على المشاركة السياسية كحق شرعي له يسهل الترويج للفضائح وتشويه صورة الناشطين السياسيين فيه وتكاد هذه المرحلة تقارب مرحلة الثمانينات التي أغلقت فيها الأزمنة العربية وعطلت فيها صحف محلية ومنابر، وصاحبها اعتقال مبدعين كان من بينها الشاعر عارف الخاجة وكاتبة هذا المقال دون محاكمات وفى مقر المخابرات وأمن الدولة كمعتقل ودون تهم مباشرة.
أحمد منصور الشحى
فعلى إثر تقديم عريضة - شديدة التهذيب - إلى رئيس الدولة من قبل عدد من المثقفين والمواطنين الإماراتيين في شهر مارس 2011 للمطالبة بانتخابات حرة ونزيهة على مستوى شعب الإمارات لممثليه في المجلس الوطني بدلا من التعيين أو الإجراء الاستثنائي الذي سبق تطبيقه من اختيار عدد محدود من المواطنين ومن يحق لهم الترشح بموجب قرار رسمي حكومي مستثنيا بقية الشعب وحق الترشح الحر للأفراد، تلاحقت اعتقالات جهاز أمن الدولة لعدد من الناشطين الموقعين على العريضة كان أبرزهم الشاعر والمدون الإماراتي أحمد منصور الشحى.
وتوالت التهديدات بالقتل والحرب الاليكترونية السفيهة ضد المحامى عبدالحميد الكميتى المدافع عن حقوق أولئك المعتقلين وتم شن حملة مروعة لإرهاب الناشطين وغيرهم عبر الإشاعات الاجتماعية واتهامات التخوين والمس بحياتهم الشخصية عبر عملاء لأمن الدولة على الانترنت وصفحات الفيس بوك والصحف، اقترنت بردود فعل لمواطنين ومواطنات كانوا ضحايا تلك الصورة المشوهة والمستفزة فقاموا بالرجم المعنوي للناشطين تحت ستار أن من ينتقد فهو ضد الدولة وحكامها، وان الحكام والدولة فوق النقد وبالتالي فإن مجرد النقد والمطالبات المهذبة يمثل لهم خيانة وطنية تستدعى قتل أولئك الناشطين وتجريدهم من جنسياتهم وسحب جوازات سفرهم والتبرؤ منهم على كل الأصعدة.
وفى هذا مؤشر خطير لتدنى مستوى الوعي السياسي والاجتماعي بل والثقافي وغياب مفاهيم القانون وحقوق الإنسان وحتى المفاهيم الدينية البسيطة في قول الحق والتكافل المجتمعي والمسائلة الخاصة بفساد الذمم عن فئة كبيرة من المجتمع جعلتهم يدينون الناشطين بلهجة تنتمي إلى محاكم التفتيش في القرون الوسطى أكثر من القرن الواحد والعشرين وفى مناخ ثورات ودعوات للحريات تحدث على حدودهم المجاورة.
والسؤال هو:
كيف لدولة ترتدي أحدث الماركات في مسكنها وملبسها ونمط عمارتها وطعامها وشرابها وأشكال تجارتها وهيئاتها الوظيفية، وتشارك في حروب باسم الثورات والتحرير والديمقراطية، بل وتطالب بإسقاط ورؤساء دول عربية أخرى في ليبيا واليمن، وتشارك في حصار ثورة البحرين الطائفي، وتفتح الأبواب لحريات عديدة منها حرية العبادة وتسمح بوجود معابد بوذية وهندوسية وكنائس كاثوليكية وقبطية على أراضيها، وتسمح بوجود البارات والمراقص والملاهي الليلية وبيع الكحول وشواطئ مايوهات البكيني فيها، وتعطى الأولوية في الوظائف ذات المرتبات الضخمة للأستراليين والانجليز والفرنسيين والألمان والأمريكيين طبعا وعدد لا بأس به من الآسيويين في مؤسساتها التعليمية والإعلامية والثقافية والنفطية وقطاع الطيران وغيرها، ومثل الهنود شعب أكبر ديمقراطية في العالم أكثر من نصف سكان الإمارات الوافدين ........
....... كيف للإمارات أن تكمم أفواه أبناء شعب الإمارات وتعتقل مواطنين من صفوة مثقفيها لا جريمة لهم سوى التعبير السلمي - الزائد التهذيب - عن مطالبهم وأحلامهم ورؤاهم في الوقت نفسه؟؟!
إن الحق الطبيعي، والدستور الإماراتي، وكافة مواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي والاتفاقيات المبرمة بين الدولة والأمم المتحدة كلها تسمح لكافة شعب الإمارات بالمطالبة والتمكين من كافة حقوقه التي تشمل الحفاظ على أرضه وهويته ومشاركته السياسية وحقه في العمل والسكن والتعليم والسلم والأمن الاجتماعي.
وهذا حق لا يسقط بوجود دماء زرقاء وأخرى حمراء في مشايخ الخليج كلها بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة.