إجراءات مهمة.. لكن غير كافية
بعد التصاعد غير المسبوق في خطاب الكراهية والتحريض في مواقع التواصل الاجتماعي بعد اغتيال الكاتب ناهض حتر، شرعت الأجهزة الأمنية الرسمية باتخاذ إجراءات قانونية بحق بعض الأشخاص الذين يروجون لآراء وأفكار تنطوي على الكراهية والتحريض، إضافة إلى توعية المواطنين بعدم الانخراط والترويج لهذه الأفكار.
الإجراءات التي اتخذتها المؤسسات الرسمية لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف اللذين فاضت بهما وسائل التواصل الاجتماعي، مهمة لكنها لن تكون كافية لمعالجة المشكلة، لسببين رئيسين: أولهما، أن هذه الإجراءات أمنية قانونية، سوف تضع حداً للخطاب التحريضي الصارخ الذي سيتوارى للخلف بعد أيام خوفاً من الإجراءات العقابية، لكنه لن ينتهي وسيأخذ تعبيراته بأشكال أخرى. وثانياً، أن هذه المشكلة ليست أمنية وقانونية فقط، وإنما هي فكرية وسياسية بالدرجة الأولى، وما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي لا يمثل سوى قمة جبل الجليد. فمن يحملون هذه الأفكار موجودون بأشكال البناء الاجتماعي والمؤسسي كافة؛ بمعنى آخر، فإن تجليات خطاب الكراهية والتحريض سيكون موجوداً في الحياة اليومية وفي مؤسساتنا المختلفة. وتكمن الخطورة في الاكتفاء بالإجراءات الأمنية والقانونية، لأنه من الصعوبة الإحاطة بكل أشكال الفكر والممارسة الموجودة في هذه المؤسسات.
يجب أن نعترف بأننا نمر في أزمة وعي كبيرة، لها أبعاد سياسية وفكرية وحضارية. كذلك، يجب أن نعترف بأن المجتمع الأردني تغير كثيرا، وأن النماذج الإيجابية التي نستنبطها من الماضي أصبحت في واقع الممارسة قليلة ونادرة.
إن مظاهر التطرف والعنف والكراهية التي نلاحظها هذه الأيام، تأخذ أشكالا متعددةً، وأسسها متباينة، وليست على أساس طائفي فقط. كذلك، يجب أن ندرك أن خطاب الكراهية والتطرف هو بالأساس ناتج عن التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يضر بفئة الشباب بشكل خاص.
على الحكومة أن لا تكتفي بهذه الإجراءات الوقائية الضرورية التي تم اتخاذها مؤخراً، بل عليها أن تنظر للمسألة بشكل متكامل، وأن تبلور خطاباً فكرياً وسياسياً يستند على المبادئ والأسس التي قامت عليها الدولة الأردنية وما تزال، والتي تم تكريسها في الدستور الأردني الذي يقوم على المساواة والعدل والمواطنة. ولا يكفي أن تقوم الحكومة بتصريح صحفي، ولكن يجب بلورة خطاب سياسي وفكري متكامل ليصبح نهجاً للمؤسسات الوطنية التعليمية وغير التعليمية، ليكون أيضا منهاج حياة وعمل للمؤسسات والعاملين فيها.
أيضا، فإن الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحاضرة الغائبة، لم ترتقِ بعد لتحمل المسؤوليات التي أنشئت من أجلها، وهي الدفاع عن الحريات والمساواة والمواطنة والديمقراطية.
أيام تفصلنا عن شروع المجلس النيابي الثامن عشر بأعماله، وهو المجلس الذي من المفترض أن يمثل الأمة، والذي نأمل أن يقوم بالتصدي لهذه المشكلة والآفة، وما تشكله من خطر على المجتمع والدولة.
لقد حان الوقت لكل الأطراف المعنية؛ الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والبرلمان، لبلورة خطة ورؤية متكاملة تأخذنا جميعاً إلى بر الأمان.