هل بدأ مشعل ممارسة طقوس التقاعد؟



هناك طقوس حميدة أحياناً للتقاعد، يقوم بها السياسيون، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي أنهم يقولون الصواب، بعد انتهاء وجودهم في المنصب. ونعرف هذا عادة عند السياسيين الأميركيين، بوجه خاص، ويبدو أن رئيس المكتب السياسي، لحركة "حماس" يمارس نوعاً من النقد الذاتي، الذي اعتدناه من المتقاعدين، ولكن الإيجابي ربما أن مشعل لن يتقاعد حقاً، والواقع أنّ نقد مشعل الذاتي، يجدر أن يدفع "الآخرين" لممارسة نقد شبيه؟
ركّز الإعلام على ما قاله مشعل، في ندوة "التحولات في الحركات الإسلامية" التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة، هذا الأسبوع، بالنسبة للشأن الفلسطيني، وخرجت عناوين من نوع "أخطأنا في حكم غزة وحدنا"، ومن نوع " أخطأنا حين ظننا أن فتح قد انتهت". وواقع الأمر أنّ مشعل تحدث بشكل أوسع من هذا، وتناول الحركات الإسلامية، وتجربتها القريبة في التعامل مع الشأن السياسي، وهذا يزيد أهمية حديثه من الناحية الفكرية والنظرية، ويمكن أن يكون لمثل أفكاره بعد استراتيجي بعيد المدى على مستوى الدول العربية والإسلامية، والحركات الإسلامية، وإن كان يبقى موقفه مهماً من ناحية عملية مباشرة في الشأن الفلسطيني.
مشعل يجيب ضمناً، عن قضية قديمة كان الإسلاميون يُتهمون بها، وهي أنّهم يريدون الديمقراطية، (في جزء منهم على الأقل)، لمرة واحدة، يتنكرون بعدها للتعددية الفكرية، والعقائدية، والسياسية، ويلمّح إلى سقوط الإسلاميين، وتحديداً الإخوان المسلمين، في الاختبار. فيقول "إن الاختبار الحقيقي للحركات الإسلامية لا يكمن في الإيمان بالديمقراطية وممارستها بل في التمسك بها والحرص في كل الأحوال على الشراكة مع الأطراف الأخرى رغم امتلاكها الأغلبية". ويقول إنّ "حماس" "تعترف بالوقوع في هذا الخطأ" وإن أضاف أنها رغم هذا الخطأ، حققت إنجازات كبيرة ونجاحات رغم الحصار الظالم وخوض ثلاث حروب ضد العدو الإسرائيلي، بحيث استمرت المقاومة وصمود أهل غزة والشعب الفلسطيني".
لا يعني حديث مشعل، بطبيعة الحال، أي إقرار بأنّ الانقسام الفلسطيني الداخلي، هو أمر تتحمل "حماس" مسؤوليته وحيدة، وبالتأكيد هي لا تتحمله وحدها، لكن بالتأكيد هو يقرّ بشق من المسؤولية. والأهم يربط ذلك بنمط فكري ومنطلقات سياسية، وعقائدية، عند الحركات الإسلامية، شكلت أساساً مهما للانقسام. دون أن يعني هذا إعفاء خصوم، أو منافسي، الإسلام السياسي، من المسؤولية. ودون أن يعني هذا أن القوة اليسارية، عندما استلمت الحكم في الدول العربية، كانت تعددية أو تشاركية.
من الجيد أن يقوم مشعل بهذا النقد، حتى وهو يستعد، للمغادرة من موقعه رئيساً للمكتب السياسي لحركة "حماس"، والمأمول أن يحدث أمران الآن، الأول أنّ يستطيع مشعل ومن يتبنى رأيه داخل "حماس" ترجمة مثل هذا النقد الذاتي إلى سياسات جديدة، وأن يؤثر في عملية صناعة القرار والبرامج داخل "حماس". وبقدر أهمية هذا النقد الذاتي داخل "حماس" يفترض، والمنطق، أن لا يكتفي الطرف الآخر، (فتح وغيرها) بالاحتفاء، أو حتى الاحتفال، بهذا النقد، بقدر ما يشجعهم ذلك على ممارسة نقذ ذاتي شبيه، لأخطائهم الكثيرة. وفي هذا الصدد شاهدتُ قبل أيام قياديا في "فتح" يقول إنّه واثق من الانتصار في أي انتخابات جديدة، على "حماس" بسبب أخطاء الأخيرة، وهذا القيادي ذاته، قال لباحث وصحافي قبل انتخابات عام 2006، إنّ سيناريو فوز "حماس" هو ضرب من المستحيل، فيما يبدو أنّه عدم تعلم للدروس والعبر.
تحتاج كل القوى الفلسطينية، لممارسة النقد الذاتي، وأن تطرح أولا، وثائق ومواثيق وبرامج وأنظمة داخلية جديدة، لتصوّرِها لكيفية تحرير فلسطين، وإزالة الاحتلال، كليّاً أو جزئياً، (كأن يقدم كل فصيل ميثاقا وطنيا أو وثيقة سياسية جديدة)، وأن تقدم وتدخل القوى المختلفة في حوار ومشروع عمل جديد، يؤدي لتقاسمها صناعة القرار، على قاعدة الاعتراف، من الجميع، بما قاله مشعل، من عدم قدرة طرف على استثناء الآخر، وعلى قاعدة أنّ أصلا فكرة "حكم" غزة أو عدم حكمها، وحكم فلسطين، وتولي السلطة، لا معنى لها فعليا تحت الاحتلال.