الوجه الاخر للتعليم العالي

في الوقت الذي يشهد فيه التعليم العام نشاطاً غير مسبوق يدخل التعليم العالي في سبات غير مسبوق ايضاً, يُفقد الجامعات الهمة على المنافسة عربياً وعالمياً على حدٍ سواء. فنحو تعليم عالٍ أردني منافس عالمياً, اقترحت وبشكل رسمي مقدمة مشروع جامعة أردنية عالمية وازعم أنني تجاوزت ذلك لمشروع "تعليم جامعي" عالمي وعلى شكل ملفات متفرقة عصرية بنيت على أحسن المماراسات العالمية. تضمنت هذه الملفات تحليلاً لتجربة سنغافورة الناجحة بما في ذلك تجربتها في التعليم التقني وكذلك الاتجاهات الحديثة في التعليم والتعلم وتوضيح للخلط الحاصل عند الحديث عن ادماج التكتولوجيا في التدريس وتفصيل آليات استقطاب الطلبة العرب والأجانب نحو مفهوم الاستثمار في التعليم لتحقيق دخل مالي لا يقل عن مليار دينار سنوي بل والتأكيد على تطوير الادارات المالية وضبط التفقات في الجامعات وكذلك شرحاً مستفيضاً لعوامل نجاح سياسة أي جامعة أو وطن نحو البحث العلمي والابتكار من خلال تهيئة البيئة الابتكارية التي يجب أن تتقدم على تكديس المستودعات بالأجهزة! وتضمن المشروع كذلك دراسة مستفيضة وتفصيلية لأكثر من سيناريو حول الحاكمية بعد دراسة هذا الملف في أكثر من سبع دول عربية واقليمية وعالمية, أكدت خلاله على مشاركة أعضاء الهيئة التدريسية في اختيار الأفضل للمكان المناسب. واقترحت دمج الاعتماد مع ضمان الجودة والدور المكمل الذي يمكن أن تشارك به المجالس الطبية والنقابات كما هو الحال في تجارب اوروبية ناجحة وقدمت تقريراً يحدد العلاقة النسبية بين أعداد الناجحين في التوجيهي وأعداد المقبولين في الجامعات الأمر الذي يحتم اعادة دراسته بعد ثلاث سنوات من الآن عندما نعلم أن الفائض في اعداد الطلبة في الجامعات الأردنية وصل 122 الف طالب وليس 55 الف طالب كما تدعي هيئة الاعتماد والذي يتزامن مع تنامي ظاهرة هجرة الادمغة ولكن يبدو أن هذه الملفات لن ترى النور قريباً! وربما يفرج عنها المسؤول بعد فوات الأوان!. الأمر الذي يجعلني اشدد على ضرورة الالتفات بصورة دورية لنتائج تصنيفات الجامعات العالمية المختلفة ودراستها بشكل دقيق بل واعتماد "المقارنة المعيارية" مع افضلها ممن تتشابه بعض ظروف بلدانها مع الأردن. لقد تضمنت النتائج الاخيرة لتصنيف QS العالمي للجامعات 2016 عدم وجود أي جامعة أردنية ضمن افضل 500 جامعة عالمية والأدهى من ذلك تضمنت النتائج تراجع جامعة العلوم والتكنولوجيا للموقع 650-700 وتقدمت الجامعة الأردنية ببطىء للموقع 550-600 في التصنيف العالمي للجامعات بعد أن كانتا في الموقع 601 عندما بدأنا المشروع في الأردن قبل حوالي سبع سنوات مع العلم أن العدد التصنيفي هو ضمن العدد سبعمائة بمعنى أن المجموعات بعد مجموعة الأربعمائة حسب تصنيف مركز بحث الجامعات العالمية التابعة لمعهد بحث التربية والتعليم في جياو تونغ في شانغهاي أو الخمسمائة الكبار في باقي التصنيفات العالمية للجامعات لا تعني سوى التشجيع على المشاركة حيث تتزاحم الجامعات في هذه المجموعات. فالترتيب الانجازي هو الذي ياخذ رقم صحيح مثل 200 أو 350 أما ترتيب الفترات فهو يدل أن الدرب بيننا وبين التصنيف طويلة جداً بل انها بين جامعاتنا وبين جامعات الخليج العربي اصبحت تمثل قلق للمجتمع الأردني. فدول بحجم قطر والبحرين تتجاوز الأردن لا يترك مجالاً للشك بعدم نجاح مجلس التعليم العالي في اداء واجبه وعدم قدرة الجامعات الخروج على المألوف نحو عصرنة التدريس والابتكار البحثي والادارة بآليات المستقبل وليس الماضي الدارج اليوم.
وعليه بات في حكم المستحيل أن تنافس الجامعات الأردنية الجامعات العربية - إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه - بعد أن فقدنا الأمل تماماً - ولأجيال قادمة - أن تنافس جامعاتنا الجامعات العالمية. كل دول الخليج العربي )باستثناء دولة الكويت الشقيقة) لديها جامعة ضمن افضل 500 جامعة عالمية والسؤال من يتحمل المسؤولية؟. المسؤولية مشتركة بين وزارة التعليم العالي والجامعات. ففي غياب النزاهة والمحاسبة والشفافية في اختيار القيادات الاكاديمية يبقى التعليم العالي قضية عد سنوات وتجاوزات اكاديمية وادارية لا تنصف الأردن ولا الجامعات الأردنية. ففي حضور مجلس تعليم عالي تقليدي نتوقع أكثر من هذا. بل ان الوزارة ومجلسها قزَما الخطط والقرارات والمناصب وفصلاها تفصيلاً رديئاً سيدفع المواطن الأردني ثمنه لعشرات السنوات القادمة. حتى أنني أخال أن التنفيذ من حيث المبدأ ليس في أجندة وزارة التعليم العالي.
كل من يدقق في معايير تصنيف الجامعات يدرك أنها تشكل العمود الفقري لجامعات المستقبل بل أن البحث في برامج ومساهمات المتخصصين في هذه المؤسسات يدعو الدولة والحكومة الى اخراج ادارات التعليم العالي من ثوبها القديم فآليات التسعينات لم تعد تنفع والعالم يبحث شكل العالم عام 2100 من الآن. نريد افساح المجال لعقول متطورة حقيقية وأفكار خلاقة وآليات تعتمد على احسن المماراسات, لا اقتراحات متكررة تضيع الوقت والدرب. فلتتجاوزوا الطروحات القديمة التي مللنا من سماعها حول الموازي والقبول المباشر نحو حرية أكاديمية علمية لا يحد الانجاز فيها أسساً أو شخوصاً أومجالساً عفى على أفكارها الزمن ولا تجيد اللغة المطلوبة ولا الأداء المقنع داعياً دولة رئيس الوزراء الاكرم التدقيق في التفاصيل والقراءة بين السطور فالتعليم العالي الحالي يشكل حالة اغراق في الأجندة الخاصة وضعف وتشتت تحتاج الى رافعة تتجاوز الدارج والمتعارف عليه!. وكنت قد كتبت سابقاً حول المطلوب بالتفصيل وقد مللت التكرار. وقد اشرت كذلك صراحة أنه حينما تقابل جلالة الملك والملكة المعظمين وتسمع رأس الدولة المفدى يدعونا لنفض الغبار تتفتح عندك الرغبة بالعمل الكبير وحينما تغادر اللقاء إلى لقاء بعض المسؤولين تعود اللغة القديمة والأسطوانة المشروخة حتى تخال نفسك تواقاً للقاء الملك مجدداً لتقول لجلالته فشل المستمعون وعادوا للصندوق بل وأحكموا اغلاقه! 
في الختام: يا دولة الرئيس مرة أخرى من يتحمل مسؤولية غياب الجامعات الأردنية عن التصنيف العالمي؟ وهل من حل أفضل في التعليم العالي من "سياسة تنظيف الدرج"؟
للأردن المحبة والانتماء وللملك الولاء والوفاء.

ا.د. عاهد الوهادنة
ممثل منظمة QS العالمية لتصنيف الجامعات