الـذئـاب المتوحـشــــة الكامـنـــة

أختلف مع الكاتب والسياسي ناهض حتر، وثمة عناوين وقضايا إجرائية وموضوعية لا أتفق معه نحوها، ولكنني كمواطن وإنسان وكاتب وصاحب وجهة نظر أرفض بقوة أن يتعرض للأذى أو حتى المساءلة القانونية على رؤية له أو موقف يتبناه، ولم يكن داعياً تعريضه للمساءلة القانونية وتوقيفه على ذمة ما كتبه أو نشره طالما أنه اعتذر عن ذلك وأكد أنه لم يقصد المس بالمعتقد أو بالدين أو بالذات الإلهية، وأعتقد أنه أذكى من أن يُعرض نفسه لمثل ذلك وإذا أخطأ فكان يجب معاملته بالحسنى وسعة الصدر والترفع عن المساس به لأي خطيئة ارتكبها أو وقع بها، طالما أنه يُصر على عدم قصده المساس بمعتقدات المسلمين .
رفضت المساس به رغم خلافي الشديد في شكل ومضمون تعاطيه مع الدين والمتدينين، وعليه، علينا جميعاً أن نحترم معتقدات بعضنا البعض وأن لا نتجاوز المحرمات في كتاباتنا أو أرائنا أو مواقفنا المعلنة أو الذاتية، فالإنسان المسيس وصاحب القضية ومن لديه رؤية عليه واجب احترام الآخرين حتى يحترموا معتقداته وقضيته ويتفهموا مواقفه .
ومع ذلك، ومهما اتسعت فجوة الخلاف يجب أن لا نرتكب جريمة إيذاء الآخر حتى ولو أخطأ أو تجاوز حدوده، وما جرى إنما تطبيق لمقولة " أن الفتنة أشد من القتل " وها هي الفتنة والتحريض أدت بمتطرف وبمجرم يدعي الإيمان الشديد والحرص العميق ويأخذ القانون بيده وكأن الدين أو العقيدة ملكه وحده، ووحده صاحب الحق في الدفاع عن الدين والعقيدة .
جريمة اغتيال الراحل ناهض حتر تعني بوضوح أن تنظيمي داعش والقاعدة وأدواتهما وذئابهما كامنة عندنا، وقد فشلوا مرات ومرات، وها هم نجحوا في اغتيالنا جميعاً كمواطنين وكأردنيين وكمسلمين ومسيحيين وقادة فكر وأصحاب رؤية وقادة مجتمع، فالجريمة نفذها مجرم سينال عقابه بما يستحق، ولكنّ لدينا مجرمين آخرين قد يتربصون بذوقان عبيدات أو زليخة أبو ريشة أو مروان المعشر أو أي مفكر أو صاحب رأي أو ذات سياسية أو اجتماعية أو تربوية لينالوا من أي منهم، لأن المساس المعنوي أو اللغوي أو توجيه مفردات قاسية بحق أي واحد منهم إنما هي بداية تحريض ووسيلة تعبئة لأدوات تنفيذية كما فعلها المجرم المتطرف بحق ناهض حتر .
مجتمعنا الذي ورث المصالحة والشراكة والتعايش والتعددية، يملك في الوقت نفسه أدوات متطرفة فعلت فعلها في واقع الحياة، فالقاعدة كان مؤسسها عبد الله عزام شيخ أسامة بن لادن وداعش قُتل مؤسسها أبو مصعب الزرقاوي قبل أن يعلنها أبو بكر البغدادي وها هو الأردني عمر مهدي زيدان يتولى رئاسة مجلس شورى تنظيم داعش؛ ما يدلل أن التطرف عابر للحدود ولا يتوقف عند بلد أو مدينة أو قومية بل هو نتاج ثقافة وسياسة .
إعلان الإخوان المسلمين وحزبهم وقياداتهم في شجب اغتيال ناهض حتر واستنكاره، موقف هام لرفع الغطاء الديني أو الشرعية الإسلامية عن العمل الجُرمي الذي نفذه المجرم الذي اغتال ناهض حتر .
ناهض حتر امتلك ناصية الفكر والشجاعة في القول والموقف ومثلما له خصوم له أصدقاء كثر ينظرون له باحترام وتقدير كبيرين، ولكننا جميعاً كصحفيين وكتاب وأصحاب رأي وسياسيين، بل وكمواطنين نحرص على أمن بلدنا وشعبنا وتعدديتنا، علينا أن نتحد في وجه هذه الجريمة حتى لا تتكرر، وعلينا أن نتذكر أن ما يعانيه الأشقاء في ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن وقبلهم في الجزائر والصومال إنما يعود لسبب جوهري، وجود التطرف اللفظي والسياسي والعقائدي، ووجود ذئاب مجرمة شرسة متوحشة كذلك الذي اغتال ناهض حتر، وأولئك الذين اغتالوا الشهيد معاذ الكساسبة وحاولوا ولا زالوا التسلل عبر حدودنا للمس ببلدنا وأمن شعبنا .
الرحمة والخلود لناهض حتر كوطني أردني، وكاتب متفوق، ومفكر مستنير، ولنا جميعاً السلام والوعي والشجاعة في مواجهة التطرف أنى كان مصدره وخليفته، وله الهزيمة ومزبلة التاريخ لأن التطرف ضد الإنسانية وضد التعددية وضد التسامح الذي أتى به الإسلام الذي يقر بوجود الآخر ويقبل به ويتعامل معه، لأن الدين لله وحده والوطن للجميع .
h.faraneh@yahoo.com