ملاحظات على الانتخابات النيابية


انتهت الانتخابات النيابية في الأردن، وأعلنت النتائج بعد طول انتظار، والنتيجة الأولية أن هذه الانتخابات حققت تقدماً نوعياً لافتاً، وسجلت نقطة نجاح للهيئة المستقلة للانتخاب التي أدارت العملية الانتخابية باقتدار رغم كل الصعوبات والتشويش، وسعي بعض المرشحين ممن لم يحالفهم الحظ للتشكيك بالنتائج وإطلاق الاتهامات بعدم نزاهة الانتخابات.
الان وبعد أن عرف الأردنيون نوابهم تحت القبة، وبعد أن بدأ الحديث من الآن عن التحالفات ورئاسة المجلس وأولويات العمل، فمن الضروري أن نسجل ملاحظاتنا لعلنا نتعلم دروساً حتى نجوّد العملية الانتخابية أكثر، وندفع بالعملية الديمقراطية خطوات إلى الأمام وهي على النحو التالي:
أولاً: سجلت الهيئة المستقلة للانتخاب نجاحاً في إدارة العملية الانتخابية، واستطاعت أن تواجه كل التحديات، وأن تفرض إرادتها وحضورها، ولم يسمح رئيس الهيئة الدكتور خالد الكلالدة للحكومة وأجهزتها في استلاب استقلالية قرارهم، أو التدخل بشكل فاضح بعملهم أو الإيحاء بأن الانتخابات تدار من وراء ستار.
ويمكن القول أيضاً بأن الانتخابات اتسمت بالشفافية والنزاهة، واتبعت الهيئة المستقلة للانتخاب أفضل المعايير والممارسات الدولية في إدارتها قبل ويوم الاقتراع، وهذا لا يعني أنه لم تحدث خروقات وانتهاكات تركزت في عمليات شراء الأصوات، والتصويت العلني، واستمرار الدعاية الانتخابية بالقرب وداخل مقرات التصويت، وأحياناً تواجد أمني في أماكن التصويت والاقتراع، وتدخل رؤساء اللجان للتأثير على إرادة الناخبين وتوجيههم.
ولكن الخرق الأهم وهو ما لفت أنظار الإعلام ما حدث في دائرة بدو الوسط من اعتداء على صناديق الاقتراع "وسلب" أو اختفاء بعضها، وكان على الهيئة المستقلة منذ اللحظة الأولى أن تكتفي بالإشارة لما حدث والتأكيد على أن القرار النهائي سيكون بعد انتهاء لجنة التحقيق من أعمالها، لا المضي في إعلان النية في إعادة الاقتراع ثم العودة عن القرار لأن ذلك يلقي ظلالا من الشكوك كان الجميع في غنى عنها.
ورغم ذلك فإن شهادات وتقارير المراقبين تؤكد بأن الخروقات التي حدثت فردية وليست ممنهجة ويسأل عنها المرشحون وجمهور الناخبين ولا ترقى للطعن بنزاهة الانتخابات.
ثانياً: تميزت هذه الانتخابات بعمل مؤسسي ومنهجي لمؤسسات المجتمع المدني التي راقبت الانتخابات، فلقد أصبح عمل تحالف "راصد" التابع لمركز "الحياة" وكذلك تحالف "نزاهة" التابع لمركز "هوية"، وأيضاً "عين على النساء" الذي يديره معهد "تضامن النساء" أهم مصدر للمعلومات للإعلام والمجتمع عن مسار عملية الانتخاب، والتطور اللافت توقف أو تراجع حملة التشكيك بأهدافهم ودورهم، وانفتاح إيجابي من الهيئة المستقلة على عملهم والاستماع لملاحظاتهم، وقد أحسست بكل هذا الإنجاز لأنني حظيت على مدار يومين بالمساعدة والتطوع في إدارة المؤتمرات الصحفية "لراصد".
وبهذا السياق فإن من المهم لفت الأنظار الى خروقات حدثت ضد بعض المراقبين من قبل رؤساء بعض اللجان سواء بمنعهم من ممارسة عملهم أو عدم تزويدهم بالمعلومات، ونفس الأمر تكرر مع الإعلاميين حيث تم منع بعضهم من التغطية المستقلة والتصوير، وهذا يفرض على الهيئة المستقلة التحقيق بما حدث، واتخاذ إجراءات مساءلة بحق من فعل ذلك حتى لا يحدث ذلك مجدداً في الانتخابات المقبلة سواءً بلدية أو لا مركزية، وسواء كانت هذه الانتهاكات ممنهجة أو كانت ناتجة عن عدم وضوح التعليمات لحدود صلاحية المراقبين أو الإعلاميين فإن الهيئة المستقلة تتحمل المسؤولية.
ثالثاً: ليس جديداً أن لا تعجب نتائج الانتخابات بعض المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ، فهذا متوقع وربما مقبول، غير أن تحدي سلطة الدولة والقانون واللجوء لعمليات تخريب وقطع طرق وحرق أشجار مرفوض ونطالب بملاحقة ومساءلة كل من فعل ذلك، فهذا لا علاقة له بالاحتجاج السلمي وحرية التعبير.
رابعاً: باعتقادي إن نتائج الانتخابات لم تحمل مفاجآت كبيرة، والفوز الذي حصده حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات لم يخرج عن التوقعات، فهم لم يهزموا أو يكتسحوا وظل الأمر معادلة متوازنة.
تركيبة مجلس النواب تفتح الشهية للتوسع بقراءة توجهاته ودوره، وهذا ما سنفعله في المقال القادم.