« الإخوان » في ميزان الانتخابات..!
من اهم الخلاصات التي اسفرت عنها نتائج الانتخابات البرلمانية انها كشفت عن وزن جماعة "الاخوان” في الشارع ومدى الشعبية التي يحظون بها، كما انها كسرت المقولة التي طالما ترددت عن "ثنائية” الدولة والاخوان، وهي من اسوأ المقولات واخطرها، لا سيما حين جرى النفخ فيها من طرف بعض قيادات الاخوان الذين سبق ان رفضوا المشاركة واصروا على الشراكة، ومن اطراف اخرى حاولت توظيفها لاقصاء الاخوان عن المشهد واعاقة تجربة الاصلاح في بلدنا.
حين ندقق في الحصاد الانتخابي نجد ان قوائم الاخوان وحلفائهم ضمت119 مرشحاً لم يفز منهم سوى 15 بما نسبته (11.5%) من عدد مقاعد البرلمان، منهم 10 فقط من اعضاء الجماعة، نجد ايضاً ان 50% اي نصف قوائم الاخوان وحلفائهم لم يحالفها الحظ بالفوز، نجد ثالثاً ان 5 مقاعد فازوا بها جرى الانتخاب عليها وفق نظام الكوتا (3 مقاعد للشركس والشيشان، ومقعدان للمرأة)، نجد رابعاً ان كتلة الاخوان التصويتية لم تتجاوز الـ 160 الفاً، تركزت في المدن الثلاث الكبرى: عمان، اربد والزرقاء (80%) ، فيما لم يفز اي مرشح في المحافظات الجنوبية (الكرك،الطفيلة،معان والعقبة) وعجلون ودوائر البادية الثلاث، نجد خامسا ان قوائم الاخوان حصلت في معظم الدوائر التي نافست عليها على مراتب متأخرة (ثلاث دوائر حصلت في قائمة واحده على المرتبه الاولى وفي الاثنتين حصلت قائمتان على المرتبة الثانية)، نجد سادساً ان ابرز قيادات الاخوان التي ترشحت لم يحالفها الحظ، فيما فاز اخرون معظمهم من الصفوف الثانية والثالثة.
حين نقارن ايضا بين حصة الاخوان في الانتخابات البرلمانية للدورات الخمسة التي شاركوا فيها نجد ان مؤشر نصيبهم من المقاعد في تراجع واضح، فقد حصلوا في انتخابات الـ 89 على 22 مقعدا من اصل 80 مقعدا بنسبة 27%، فيما حصلوا عام 93 على 16 مقعداً من اصل 80 مقعدا بنسبة 20%، وفي انتخابات 2003 حصلوا على 17 مقعداً من اصل 110 بنسبة 15.5% اما في انتخابات 2007 فلم يحصلوا الا على 6 مقاعد من اصل 110 بنسبة 5.5% وصولاً الى الانتخابات الحالية التي فازوا فيها كتحالف بـ 11.5% وكجماعة ما يقارب 7% فقط.
السؤال: هل يعكس تراجع عدد مقاعد الاخوان في البرلمان بالضرورة تراجعاً في كتلتهم التصويتية، وبالتالي في قاعدتهم الشعبية؟ ربما يبدو هذا صحيحاً، لكن الارقام وحدها لا تكفي لاعطاء اجابة حاسمة، وبالتالي يمكن الاستناد الى ثلاث سياقات لفهم اداء الاخوان اولاً وموقفهم ووزنهم السياسي والاجتماعي ثانياً ثم ثالثاً دورهم في العمل السياسي داخل البرلمان وخارجه وما يترتب على ذلك مستقبلا على صعيد علاقتهم مع الدولةً.
السياق الاول يتعلق بالتحولات التي طرأت على المجتمع الاردني بعد مرحلة الربيع العربي، وهنا يمكن ان نلاحظ ما طرأ على المزاج الشعبي من تغيرات، خاصة تجاه "الاسلام السياسي” وجماعة الاخوان تحديداً، وفي تقديري ان هذه التغيرات لم تتعلق فقط بموقف الناس من السلطة وانتقاداتهم لسياساتها، وانما تعلقت بمواقف الاخوان ودورهم في حراكات الشارع وسقوف مطالبهم، الأمر الذي اثّر سلبياً على اتجاهات المجتمع وتعاطفه معهم، اما السياق الثاني فيتعلق بالازمات التي عصفت بالجماعة، ابتداء من الانشقاقات ووصولاً الى الضغوطات والحصارات التي تعرضوا لها، ومع ان الاخوان نجحوا في تشكيل تحالف لخوض الانتخابات لايصال رسالة "تحدٍ” مزدوج لازمة الداخل وازمة العلاقة في الدولة، الاّ ان حصاد هذه الازمات وجد طريقه للصناديق وقبلها "لنوعية” هذه التحالفات وما طرأ من "قفزات” على خطاب الجماعة، عكست حجم "الاختلاف” بين القيادات والقواعد، حيث ظهر وكأن "رأس” الجماعة يحاول ان يقود مركبة ثقيلة بلا عجلات، لأنه في الاصل لم يفعل ما لا يلزم لاحداث نقلة نوعية واستراتيجية في افكار الجماعة ومواقفها، وانما اكتفى بتصميم تكتيكات سياسية محصورة هدفها تجاوز عتبة الانتخابات فقط.
تبقى المسألة الثالثة وهي تتعلق بالظروف الخارجية، سواء تلك التي دفعت الدولة قبول مشاركة الاخوان في مارثون الانتخابات، او الاخرى التي ساهمت في اندفاعة الاخوان لانتزاع "الشرعية” السياسية من خلال الصناديق بعد ان ادركوا انها الطريق الوحيد لحماية وجودهم، لكن المهم هنا فيما يتعلق بالظروف الخارجية هو ما تعرض له الاخوان من اصابات نتيجة ما حدث في مصر تحديداً، وفي بعض الدول التي اتخذت موقف حاسمة تجاه الاخوان وصلت الى حدّ اعتبارهم تنظيماً ارهابياً، اعتقد ان اصداء الظروف التي مرّ بها عالمنا العربي بعد انحسار الربيع العربي وبروز الثروات المضادة ساهمت في اضعاف الاخوان المسلمين وفي انحسار التأييد الشعبي لهم.
في هذه السياقات الثلاثة يمكن ادراج عشرات الاسباب والعوامل التي وقفت وراء ما أصاب "جماعة” الاخوان من ارتباكات وخسائر سواء في الشارع او في صناديق الانتخابات، لكن مع ذلك ما زال الاخوان يشكلون رقماً في المعادلات السياسية الاردنية، كما ان عودتهم للبرلمان سيكون لها "نكهة” خاصة، اما دورهم وتأثيرهم في البرلمان فهذا يحتاج الى حديث اخر، ربما لم يأت وقته بعد.