تجــربـــة مـثـيـــرة ولكــــن !!!!
رغم كل المحاولات في التواصل مع قضايا المجتمع من خلال الصحافة والاعلام بكل تلاوينه وادواته المسموعة والمرئية والورقية، الا ان تجربة الانتخابات البرلمانية كشفت اننا نقف على مسافة بعيدة عن المجتمع وتفاصيله، فمعظم ما نرسمه على الورق خارج دائرة اهتمام المجتمع الذي ما زال محكوما لادوات تفكير تقليدية رغم انتشار الهواتف الذكية وما رافقها من وصول الى مواقع التواصل الاجتماعي والتوسع في حجم المعرفة وادواتها، واتحدث عن عمان بدوائرها المختلفة واظن القياس صحيح على باقي الدوائر، فروابط العُصبى القبلية والمناطقية هي السائدة والانحياز للخطاب الديني دون تمحيص او تدقيق في محتواه له الغلبة وادوات الاختيار مختلّة والحديث عن البرامج في اخر الاولويات، فهموم الناس اليومية والحرد والحرن عن المشاركة ما زال طاغيا وللاسف لا احد يناقش الاسباب واستسلمت مؤسسات الفعل السياسي الرسمي والمجتمعي لقوانين السوق ولم تحاربها، فالمال الاسود كان سيد الموقف وله الغلبة في النتائج تلاه الروابط العصبية ثم الخطاب الديني رغم الفوارق الهائلة بين المشرع والداعية وبين المقاول والنائب وبين الوجيه ورجل الرقابة والتشريع .
ابرز الملاحظات ان الناخب يحاور المرشح ويبدي له القبول والقناعة ثم سرعان ما يجنح الى بيع صوته او الى الانحياز لروابط الدم او لخطاب الرؤيا والاحلام الدينية، وثانيها صمت الاجهزة الرسمية عن ملاحقة المال الاسود بشكل يثير الحفيظة ويدفع الى السؤال الكبير عن سبب صمت الهيئة المستقلة عن المال الحرام بل والطلب من المشتكين ان يزودوها بالادلة والبراهين رغم ان هذا دورها ومسؤوليتها وكانت تستطيع بالتعاون مع الاجهزة الشرطية الامساك بكل تجار الاصوات ومن يقف خلفهم فعملية الشراء كانت تتم جهارا نهارا في دائرتين معينتين كما شاهدت وغيري ومن يراجع اسماء المرشحين الفائزين وغير الفائزين سيفرز نائب الشراء من غيره دون ادنى عناء وكل اشتراطات الهيئة على الانفاق الانتخابي لم يتحقق منها شيئ ولم تخضع الحسابات لرقابة او محاسبة او مساءلة، فالحسابات البنكية لغالبية القوائم بقيت صفرا من البداية الى لحظة اعلان النتائج .
الاهم في عملية الانتخابات هو الغياب والحرد عن المشاركة رغم مشاركة جماعة الاخوان المسلمين بنسختها الاصلية والجديدة، فعدد المقترعين في دائرة عمان الثانية – اكبر دائرة انتخابية في المملكة والبالغ تعداد مقترعيها 402 الف – بقي على حاله منذ العام 2003، ولم يتقدم بتاتا في غياب الجماعة الاخوانية او في مشاركتها واظن النسبة ثابتة في معظم دوائر عمان وهذه دلالة رقمية تحتاج الى قراءة وتمحيص، فالناخب الذي يقترع هو نفسه دون زيادة او نقصان والمتغير هو رغبته الانتخابية وخياراته فقط، فنحن لم نكسب ناخبا جديدا رغم كل القوانين الانتخابية المتنوعة التي سارت عليها الانتخابات وهذه الدلالة الرقمية تحتاج الى قراءة مؤشراتها من اساتذة السياسة والاجتماع، فلا مشاركة الاخوان ترفع النسبة ولا غيابهم يؤثر على المشاركة اما الاحزاب اليسارية والقومية فقد اكتفت بالفرجة كما عادتها وتحليل ارقام جماعة الاخوان دون قراءة الهزيمة التي منيت بها تلك الاحزاب التاريخية والمتكلسة .
دون شك هي تجربة مفيدة واضافت لي الكثير وسانقل ما شاهدته وما تعلمته من هذه التجربة على ورق الدستور العزيزة التي اتشرف بالانتماء الى اسرتها ونهجها، فثمة اشياء جديدة يتعلمها المرء من الغوص في تفاصيل المناطق رغم الادعاء بانه ينتمي اليها او يعرفها، فما زال الغامض في مناطقتنا اكثر مساحة وحضورا من المعروف والمشاهد ومن لم يخض تجربة الانتخابات لن يتعرف ولن يعرف ما يدور في كواليس المجتمعات الغنية والفقيرة على حد سواء، فعملية بيع الاصوات مثلا لم تقتصر على الفقراء وتلك كانت مسألة صاعقة بالنسبة لي وهذا اول الغيث وما زال هناك الكثير .