انتخابات هذا اليوم

سببان يقفان خلف إجراء الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب الثامن عشر في بلادنا هذا اليوم ، أولهما إستحقاق دستوري وثانيهما إستجابة للتوجهات الدولية ، فالتعطيل الذي حصل منذ عام 1967 حتى 1989 ، لم يعد مبرراً بسبب الاحتلال للجزء الفلسطيني من أراضي الدولة الاردنية ، وإنتفاضة الاردنيين في نيسان 89 أملت بضرورة توسيع قاعدة المشاركة وإلغاء الاحكام العرفية وترخيص الاحزاب السياسية ، وها هو الربيع العربي يُعيد تأكيد الاهمية على ضرورة مواصلة خيار توسيع قاعدة مشاركة الاردنيين في مؤسسات صنع القرار من خلال دور مؤسستين هما البرلمان والاحزاب السياسية .
والقرار الدولي الاميركي الاوروبي كدول صديقة مانحة ، تفرض بكل وضوح وصراحة ضرورة وجود برلمان منتخب لإستكمال الشرعية ، وتوفير الامن السياسي ، وإيجاد الغطاء القانوني ، للخيارات المتبادلة ، والمصالح المتداخلة ، والامن العالمي المشترك .
ورغم المزاج السياسي " المتعكر " السائد بين الاردنيين بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وثقل تبعاته على حياتهم وتراجع معيشتهم ، وثورة الربيع العربي التدميرية ذات النتائج الاصولية الرجعية المتخلفة على البلدان الشقيقة المجاورة تركت أثارها الجارحة على نفوس الاردنيين وإنحيازاتهم السياسية ، والحروب البينية العبيثة اليائسة ، وفقدان البوصلة القومية في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وأطماع البلدان المجاورة الثلاثة تركيا وإيران وأثيوبيا في مقدرات العرب وبسط نفوذهم علينا ، بعد تراجع الدور الاميركي والاوروبي وإنحسار مصالحهم في المنطقة العربية وتغيير أولوياتهم نحو محاربة الارهاب ، ومقاومة نزوح اللاجئين ، ومعالجة الاوضاع الاقتصادية لبلدانهم ، رغم ذلك يندفع قطاع واسع من الاردنيين نحو صناديق الاقتراع إعتماداً على عوامل ثابتة ومستجدة ، أما العوامل الثابتة فهي رهان القوى المحافظة في الريف والبادية للحفاظ على نفوذها ومصالحها ، حيث ترتفع نسبة التصويت لديها لأن الشرائح الاكثر نفوذاً والاكثر وعياً والاكثر إستفادة من بينهم ، تسعى لإستمرار نفوذها كقوى محافظة تشكل قاعدة إجتماعية قوية للإتجاهات المهيمنة على مؤسسات صنع القرار ، إضافة إلى إندفاع رجال الاعمال وفي طليعتهم المقاولون في ضخ مال كثيف بهدف جلب الاردنيين وتحفزيهم للوصول إلى صناديق الاقتراع ، أما العوامل المستجدة فهي المساعدة المالية التي قدمتها الحكومة للأحزاب لتشجيعها نحو خيار المشاركة ، ومشاركة قوى المعارضة اليسارية والقومية وفصائل الاخوان المسلمين وخاصة الفريق الذي يقوده الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد وتكتيكاته الانتخابية الذكية بحثاً عن الغطاء السياسي بديلاً للغطاء القانوني الذي فقده ، فالمعارضة اليسارية والقومية والإسلامية والليبرالية ، لا تجد لها مخرجاً سوى مواصلة الرهان على التغيير الايجابي المتدرج وبالخطوات التراكمية حيث لا خيار لها سوى ذلك ، بعد سلسلة الهزائم القوية التي منيت بها قوى اليسار والقومية بسبب نتائج الحرب الباردة ولا تزال ، وفقدان الديمقراطية ، وها هي أحزاب التيار الإسلامي الاربعة : الإخوان المسلمون ، وأحزاب ولاية الفقيه ، وداعش ، والقاعدة تتناحر فيما بينها من جهة وبينها وبين أسيادها ومموليها السابقين أطراف النظام العربي والخليجي منه خاصة .
إنتخابات اليوم ليست محطة مفصلية ولن تضيف شيئاً جوهرياً على حياة الاردنيين ولكنها فرصة لتغيير بعض الدماء التقليدية وضخ دماء جديدة ، لعلها تُسهم بالدفع نحو خطوة أو خطوات إلى الامام على طريق التدرج والمرحلية ، فعلينا أن نتذكر أن القوى المحافظة وقوى الشد العكسي مازالت قوية متمكنة وذات نفوذ وجذور في مؤسسات صنع القرار ، ولكن تقدم الحياة أقوى ، ورياح التغيير حينما تأتي مثل العواصف تدفع بإتجاه التغيير وما الربيع العربي سوى تأكيداً على ذلك ، وعلينا أن ندقق بثلاثة مظاهر مهمة حصلت في العالم العربي وهي : 1- الدستور المغربي و2- أوراق الملك النقاشية الاردنية و3- البرنامج السعودي نحو عام 2030 ، وهي مظاهر جوهرية تدلل على أن النظام التقليدي العربي يُدرك جيداً الاستحقاقات المطلوبة منه وعليه وهذا ما يدفعنا لرؤية بصيص من الامل نحو المستقبل .
h.faraneh@yahoo.com