المهندس ليث الشبيلات يكتب: منتقدونا على مرجعية «ويل للمصللين».. سورية مثلاً
بعض المنتقدين لا يمكن إقناعهم بسبب مواقف مسبقة، أما كثير من الآخرين فهم غير مطلعين على كثير من مواقفنا في الشأن الوطني العام؛ لذا فقد قررت إنشاء موقع تحت التأسيس shubeilat.com آمل أن يطلق قبل نهاية هذا الشهر لإطلاع الراغبين على كامل الوثائق التي أستطيع نشرها، حتى لا يبقى عذر لأي اجتزاء نقدي.
وأبين في هذه المقالة أن كل قراءة لموقف على مرجعية «ويل للمصلين» تسمى تدليساً، والتدليس لغةً ليس الكذب بل اجتزاء كلمة حق ليبدو معناها معكوساً فقراءة رسالتي إلى الرئيس الأسد التي كشفت عنها حديثاً بعد شهرين من إرسالها دون الانتباه إلى تاريخ كتابتها، ودون الانتباه إلى التقدمة التي شرحت فيها ظروفها يفضي إلى التدليس.
ويتأكد الفهم الخاطئ لها للمنصفين أو التدليس لغيرهم عندما تقرأ في خارج السياق العام لسيرة كاتبها الذي لم يترك مناسبة ألقى فيها كلمة عامة في سورية، إلا وركز فيها نقده على المظالم الشديدة بحق الشعب التي يجب إزالتها، بل أكد أكثر من مرة فيها أن القمع في النظم الثورية والذي حظي بدعم شعبي أول الأمر بحجة حماية الثورات ثم تكرس كلازمة مزمنة لتلك الأنظمة هو الذي شجع استشراء القمع في بقية الأنظمة على قاعدة «ما حدا أحسن من حدا».
ولمن يتعجب من كيفية إعادة استقبالي في الأقطار التي يشملها نقدي أثناء زياراتي فإن تفسير ذلك بسيط: فمن كان صاحب مصداقية في نقد حكامه من داخل بلده دون أن يهرب خارجها دافعاً الثمن الغالي في سبيل ذلك، لا يمكن أن يتوقع منه السكوت عن المظالم في البلاد الأخرى، فإما أن يستقبل ويصبر عليه بسبب مصداقيته، وإما أن يمنع من الدخول.
لذلك فإن بعض الأقطار التي شملها الانتقاد صبرت إلى حين ثم امتنعت عن استقباله. فبعد نقدي المتكرر مثلاً والذي وجهته مبكراً إلى إيران أثناء زيارتي لطهران في عام 1991 أثناء بدء الحملة الجوية على العراق في عاصفة الصحراء، في مذكرة شهيرة إلى الإمام نشرت في الإعلام العربي، ثم بعد رسالتي المفتوحة الثانية إلى الإمام عام 2002 قبل بدء حرب احتلال العراق. وكذلك بعد أن صرحت للتلفزيون الإيراني في طهران في مؤتمر القدس عام 2002 : (إن الإمام الخميني تجرع السم عندما قبل قرار الأمم المتحدة، فما بال السم أصبح مثل الكوكاكولا في إيران هذه الأيام خصوصاً فيما يخص العراق) لم أحظ بدعوة جديدة لأي مؤتمر بعدها.
ومع أن رسالتي إلى الأخ المجاهد الكبير السيد حسن نصر الله في آب 2003 حول الموقف مما يسمى بـ»المقاومة السلمية «في العراق لم تؤثر على العلاقة بيننا ولم تفقدني احترام أتباع حزبه، إلا أنها تسببت وبعد مذكرتي للإمام الخامئني باتخاذ قرار في قناة المنار بعدم استضافتي في برامجهم الحوارية.
وحتى للذين يغمزون من قناتي حول موقفي من الرئيس الشهيد صدام حسين، فإن قبوله رسالتي النقدية والمجانبة للبروتوكول عند إعدام أردنيين عام 1998 والتي سأنشرها على موقعي، ثم استقباله لي رغم ذلك وإفراجه عن كل الأردنيين إكراماً لي يؤكد ما جاء أعلاه.
وعندما حاول السيد وفيق السامرائي في «الاتجاه المعاكس» عام 1998 توريطي بإحراجي في موضوع المعارضة العراقية تفاجأ من إجابتي حتى قال: «هل تجرؤ أن تذهب إلى بغداد بعد كلامك هذا» فأجبته: «سأذهب وأخاطبك من الفضائية العراقية يا معود!». وفعلاً تحقق ذلك عندما ظهرت في لقاء مفتوح في ربيع 1999 على شاشة الفضائية العراقية، إذ كان أول سؤال موجه لي من مواطن عراقي معارض على الهاتف من السويد :»أنت قلت في لقائك على الجزيرة أنك إذا قابلت الرئيس ستحدثه عن المعارضة الوطنية فهل فعلت؟: فأجبت على الهواء : نعم قابلته وأعدت عليه ما قلته على «الجزيرة» من أنني أحيي المعارضة العراقية التي تعمل ضد صدام حسين» وسكتت للحظات نشفت فيها دماء المسؤولين عن التلفزيون ثم صرخت قائلا: «ولكن ليس مع الصهاينة وليس مع الأمريكان! المعارضة حق مشروع ولا يستقيم أمر الدولة دون معارضة وطنية». وقد علمت بعد ذلك أن المذيع السيد الحمداني غاب عن الشاشة شهراً حتى استفقده الرئيس وسأل عنه فأعادوه.
أما ليبيا فقد فقد زملائي من الشخصيات العربية الأمل في خروجي سالماً من طرابلس بعد سماعهم تقريعي المباشر للعقيد عام 1995 ؛ لقد سمع العقيد ما لم يتوقع ومما سمعه :» إن الأمة العربية لم تضع ثقتها في الملوك الذين شتمت، بل وضعت ثقتها فيكم يا ثوار! فماذا فعلتم لها؟ هل تريد أن تعرف مكانتك من الأمة العربية يا سيادة القائد ؟ أنا لم لم يبق ماركسي ولا إسلامي ولا قومي في الأردن إلا وقال لي يا أهبل! لماذا تذهب إلى طرابلس؟ فإذا أضفت إلى ذلك حجكم إلى بيت المقدس عرفت مكانتك بالضبط من الأمة العربية (الحجاج الذين أرسلهم إلى القدس عن طريق مطار بن غوريون في احتجاج على عدم استقبال السعودية لهم) !
هذا دأبنا في إبداء رأينا، وعودة إلى موضوع سورية. فينعي علينا البعض دعمنا لسورية فيما تتعرض له دائماً من استهداف استعماري لا تستسلم له، وهو رأي يؤخذ منه ويرد ونستمع إليه وإلى المنطق الذي يستند إليه باحترام يليق بآداب الحوار والاختلاف. ولكن لا يجوز أن يتجاهل البعض ممن يختلفون معنا مواقفنا العلنية الثابتة حول الحريات وحول رد المظالم وفساد الأقرباء والمحاسيب في محاضرات في سورية على مدى أربعة عشر عاماً قبل بدء التحرك الجماهيري المحق الأخير، بعضها بحضور أعلى الشخصيات في الدولة وبعضها في تجمعات المعارضة، وفي اثنتين منها أكدت على أن القمع والظلم في النظم الثورية التقدمية أشرس منه في باقي الأنظمة التي نتناولها بالنقد.
وفي أولاها في مكتبة الأسد عام 1997 انتقدت موقف المثقفين السوريين من السكوت على مشاركة سورية في معسكر حفر الباطن، وموقف المثقفين من السكوت على حصار دول الطوق للعراق، «ذلك الحصار الظالم الذي لا يملك أي قائد عربي منطقاً يدافع عنه به إلا أن يطأطئ الرأس معترفاً بتسليمه سيادة بلده للأجنبي».
وفي ذكرى 23 يوليو عام 2005 في دوما بدعوة من التجمع الوطني الديمقراطي، لا يتسع مجال هذا المقال لنقل صفحات من نقد المظالم والمفاسد في النظم التقدمية الثورية وسبقها النظم الأخرى في هذا المجال، وكذلك في محاضرة تستشرف ما يجري اليوم ألقيت في مكتبة الأسد يوم 2 تموز 2006 بعنوان: «لمن الكلمة غداً؟ للأنظمة؟ أم للمعارضة السلمية؟ أم للمعارضات المسلحة؟» يدل عنوانها على محتواها الذي ركز على سوريا وأخواتها العربية، واستهل مطلعها بفقدان المحاضرة والمحاضر لأية مصداقية إن لم ينتقد المظالم والمفاسد في سورية. (يمكن مراجعة وثائقنا الكاملة في كل ما ذكرت أعلاه عند إطلاق موقعنا على الشبكة العنكبوتية shubeilat.com قبل نهاية هذا الشهر).
مما جاء نؤكد بأن تأييدنا لمواقف سورية الخارجية لا يمكن أن يسكتنا عن واجبنا في إبداء موقفنا من الحريات والمظالم والمفاسد، وقد بادرت قبل بدء التحرك الشعبي إلى زيارة الرئيس الأسد للتأكيد على ضرورة الإسراع في الإصلاحات، ولم نترك موضوعاً لم نتطرق له من طائفية إلى مفاسد الأقرباء إلى مراكز القوى الذين تمنيت عليه أن يسند ظهره للشعب في مواجهة مفاسدهم، ولما خرجت غير مطمئن إلى سرعة الإصلاحات بدأت فوراً بصياغة رسالة أؤكد فيها عدم ارتياحي إلى السرعة التي يفكر بها، وقد قطع صياغتي الرسالة رحلتان عدت بعدها لإكمال الرسالة وتسليمها بعد أول أحداث في درعا.
هكذا يقرأ المنصفون رسالتي التي وجب الكشف عنها، بعد أن استفحل الحل الأمني الذي عقد المسألة تعقيداً بالغاً. وإن كل من يرغب في اصطيادنا وكأننا مؤيدون للحل الأمني واهم، حيث كنا دائماً وما زلنا مع الشعب وما يريده الشعب، وندين أي اعتداء بالضرب أو بالقتل أو بالسجن لأي مواطن عربي بسبب رأيه في أي مكان، وبالطبع فإن ذلك يشمل سورية. فلا حل في سورية إلا للحوار، ويجب أن يكون الحوار على أعلى مستوى: الرئيس شخصياً مع الجيل الشاب المعارض، ومع المعارضة الوطنية التقليدية التي لا تستقوي إلا بشعبها وليس بالأجنبي.
ومع أننا لا نشك في استغلال جهات عدائية التحرك الشعبي لترتكب محرمات، إلا أننا في الوقت نفسه لا يمكننا أن نقبل بأطروحة أن محرك الشعب هم جهات أجنبية ومندسون. إن الشعب الذي هو مصدر السلطات وليس عبداً لها لم تحركه سوى المظالم، وإن اندساس أي جهة مخربة في هذا التحرك إن وجد لا ينسحب وصفاً على الشعب وليس هو السبب فيه. إن الظلم هو المحرك الرئيسي لتحركات المواطنين، ومن المعيب أن نوسعهم شتماً وتخويناً في الوقت الذي لا نعترف فيه علناً بالمفاسد والفاسدين الذين أقررنا بوجودهم في المداولات.
إن مجرد إعلان ما هو معترف به رسمياً همساً من وجود فاسدين وإعلان أسمائهم وتقديمهم للمحاكمة هو بداية الطريق. الشعب يعرفهم ويسميهم علناً، والحكم يعرفهم كذلك ويقر بوجودهم في جلساته مع أمثالنا ولكنه لا يعلن أسماءهم ولا الإجراءات التي اتخذها بحقهم. من هنا كان يجب أن يبدأ!