لكلّ صوتٍ أثر
بعد حملةٍ انتخابيّةٍ ضحلةٍ عرّت هشاشة البنية التحتيّة للعمل السياسي، تفتح مراكز الاقتراع أبوابها للناخبين بعد غد. وبسبب فشل المرشّحين في التنافس على أصوات الناس على أساس البرامج وخطط العمل، سيضطّر المواطنون إلى اختيار ممثّليهم في مجلس النوّاب وفق معايير تقليديّةٍ مرتبطةٍ بالمعرفة الشخصيّة أو القرابة أو التزكية من الجيران والمعارف.
فخلا استثناءاتٍ محدودة، اقتصرت الحملات الانتخابيّة على شعاراتٍ رنّانةٍ حيناً ومملّةٍ باهتةٍ أحياناً، وعلى صور وجوهٍ مبتسمةٍ حسّنت تكنولوجيا "الفوتوشوب" ملامحها. بعض الشعارات عكست جهلاً سياسيّاً وفكريّا. وبعضها أظهرت انتهازيّةً أراد أصحابها استحضار غرائز مقيتة في سعيهم للفوز بمقعدٍ نيابي.
المحصّلة أنّ معظم المرشحين فشل في الارتقاء بالحملات الانتخابيّة إلى حوارٍ عمليٍّ عقلانيٍّ يحاكي اهتمامات المواطنين، ويناقش مشاكلهم، ويقترح آلياتٍ للتصدي للتحدّيات الجمّة التي تواجههم.
الكرة الآن في ملعب الناخبين. ونجاح العمليّة الانتخابيّة في اختيار مجلسٍ نيابيٍّ متقدّمٍ في أدائه على سابقه يعتمد على خياراتهم وعلى حجم مشاركتهم في الاقتراع.
ورغم غياب الطروحات البرامجيّة والتنافس الفردي لا الحزبي على مقاعد المجلس، يستطيع الناخبون التمحيص في سِيَر المتنافسين واختيار من تثبت المعلومات المتوفرّة أنّه الأكثر تأهيلاً لتحمّل مسؤوليّات العمل النيابي. وكلّما زاد حجم المشاركة في الاقتراع ارتفعت وتيرة التنافس وتحسّنت منتجات العمليّة الانتخابيّة.
لذلك فإنّ التصويت ضرورةٌ لكل ّمن لم يقتنع بأداء المجالس النيابيّة السابقة، ويريد سلطةً تشريعيّةً أحسن أداءً. وهؤلاء هم الأكثرية. فحسب استطلاعات رأيٍ سابقةٍ، تذمّرت أعدادٌ مرتفعةٌ من المواطنين من سوء أداء المجلس السابق. وكان هذا تذمّرٌ في محلّه في ضوء رداءة المشهد النيابيّ الذي رسمت الانتهازيّة واللامهنيّة وضعف القدرات جزءاً كبيراً منه. المشاركة في الانتخابات والتصويت لمن يملك مؤهّلات الخدمة العامة في السلطة التشريعيّة سبيلٌ أكيدٌ لتحاشي تكرار عثرات الماضي.
أضف إلى ذلك أنّ ثمّة منافسةٌ في المجتمع بين قوىً رفضويّةٍ تدّعي احتكار الحقيقة وتمثيلها وتتبنّى إقصائيّةً ثقافيّةً وفكريّة، وبين دعاةٍ للحياة من أنصار الحداثة والتعدديّة واحترام الآخر. كلا التيّارين يتنافسان في الانتخابات تحت مسميّاتٍ متعدّدةٍ ووفق شعاراتٍ مختلفة. مشاركة متبنّي الانفتاح والتحديث والاستنارة في الانتخابات إسهامٌ في بناء المستقبل الأردني الأفضل. أمّا التقاعس عن ذلك فإخلاءٌ للساحة للرفضويّين.
ثمّة أراءٌ متناقضة حول أهميّة الانتخابات المقبلة وأثرها على الأوضاع العامة في البلد في ضوء خوض مرشّحيها التنافس على الأسس التقليديّة الفرديّة الضيّقة ذاتها. لكن رغم ذلك، تمثّل انتخابات بعد غدٍ خطوةً مهمّةً على الطريق في ظروفٍ إقليميّة صعبةٍ تحتاج المملكة فيها لكلّ كفاءاتها وإمكاناتها.
فمجلسٌ نيابيٌّ مستندٌ إلى قاعدةٍ انتخابيّةٍ واسعةٍ، ومتوفّرٌ على طاقاتٍ مؤهلّةٍ يستطيع أن يقوم بدورٍ رئيسيٍّ في خدمة مصالح البلد. كما أنّه سيسهم في تسريع وتيرة العمليّة الإصلاحيّة، التي تشكّل الانتخابات والقانون الذي يحكمها جزءاً منها، والتي تمضي بوعيٍ وعقلانيّةٍ ميّزا المملكة في زمن الرداءة العربي.