أحاديث العيد




العيد الذي ترافق مع إجازة طويلة نسبياً كان فرصة كبيرة للتفاعل الاجتماعي بين جميع مكونات المجتمع الأردني، وعادة ما تأخذ قضايا الشأن العام في حديث الأردنيين النصيب الأوفر. في هذا العيد زادت المقرات الانتخابية من فرص التفاعل والالتقاء إلى جانب المضافات والدواوين،فكانت الانتخابات والقوائم وآليات تشكيلها والمترشحين وقانون الانتخاب وفرص الفوز مدار الحديث الطاغي على لقاءات العيد.


لقد تباين الحديث في الانتخابات كقضية عامة تهم الجميع بين التطرق للإيجابيات والسلبيات، حيث يجمع الأردنيون على أنَّ إجراء الانتخابات وتعميق التجربة السياسية المبنية على مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار في هذه الفترة الحرجة في الإقليم العربي المضطرب وتنامي حالة التراجع عن الحياة السياسية والمجتمع المدني والانحدار صوب الفوضى في دول الجوار هو دلالة واضحة على قوة واستقرار الدولة الأردنية، وعمق الوحدة الوطنية التي تتعزز من خلال المكتسبات العديدة للديمقراطية.

وجهات النظر المختلفة حول قانون الانتخاب الجديد تسببت في حالة جدل بين المواطنين والنخب والسياسية والاجتماعية، فهناك من يرى في القانون فرصة سانحة للأخذ بيد الأحزاب السياسية لولوج الانتخابات من خلال قوائم حزبية وائتلافات برامجية تلغي سلبيات الصوت الواحد وتحد من العصبيات وتوسع الأطر المرجعية في المجتمع، ويستند أصحاب وجهة النظر هذه إلى أنًّه لا حياة سياسية حقيقية دون وجود الأحزاب الوطنية ذات الرؤى المتعددة، كما يرى هؤلاء أنَّ القانون الحالي قد يكون سبباً لوجود وجوه جديدة في المجلس الثامن عشر، كما سيحد من لجوء بعض المترشحين الى الاعتماد على قواعد عشائرية أو نفوذ مالي أو اجتماعي للوصول إلى البرلمان.

في المقابل يتحدث آخرون عن عدم انسجام هذا القانون مع سمات وخصائص المجتمع الأردني كما أنه لم يحفز الأحزاب السياسية على المشاركة بفعالية في العملية السياسية، وأن القيادات الاجتماعية التقليدية استطاعت التعامل مع القانون وأعادت تموضعها بطريقة لم تغير في الواقع شيء يذكر.

يلقي الكثير من الأردنيين اللوم على الأحزاب السياسية أنها لا زالت تختبئ وراء عباءة العشيرة أو المنطقة الجغرافية ولم تبادر إلى ممارسة أدوار مفترضة في العملية السياسية، وتركت في الغالب المجال متاحاً لقيام الراغبين في الترشح للانتخابات بتشكيل قوائم انتخابية بعيداً عن التوافقات الفكرية والطروحات المشتركة.

ما يجمع عليه الاردنيون هو ضرورة المشاركة في العملية الانتخابية وضرورة السير بالتجربة السياسية نحو النضج للوصول إلى تشكيل حكومات برلمانية ومعارضة تستند إلى طروحات وبرامج بديلة، وتمارس دورها الرقابي على أداء الحكومة وتحاسبها، وأنَّ لا تكون معارضة طارئة تقوم على مصالح آنية ومناكفة تعيق العمل البرلماني.

العيد كان فرصة جيدة لنشوء حوار مجتمعي حول أهم القضايا الوطنية، وتشكيل حالة وعي اجتماعي بتبني معايير جديدة لاختيار المرشحين ورفض حصر هذه المعايير في أطر ضيقة وسلبية كالمال والعصبية، كما بات يدرك المواطن أنَّ بيده الحلول لكثير من القضايا والتحديات الوطنية عندما تكون خياراته تغلب مصلحة الوطن ونجاح تجربته السياسية.