الثقافة بما هي ذائقة وأسلوب




اذا كانت الثقافة هي «ما يتبقى بعد نسيان كل شيء» كما يقول احد تعريفاتها, فإن من المقطوع به أنها شيء وراء المعارف والمعلومات بحيث اذا فقد أحدنا ذاكرته لم يفقد معها ذائقته واسلوبه في النظر وميزان ما استقر في بنيته الشعورية من قيم ومعايير.


إن احدنا اذا بلغ من العمر سناً متقدمة شاخت ذاكرته وحضرت حكمته التي يطلبها المسترشدون ويعضّون بالنواجد عليها. ومن هنا قيل في المثل الشعبي: من لم يكن له كبير ليبحث عن كبير يمحضه النصح والرأي النضيج.

فاذا قلنا في ضوء ما سبق ان الثقافة هي اسلوب وذائقة في المقام الاول, وإن التربية سابقة فيها على التعليم, فإن فيما نقول دواعي للنظر وأسباباً للاعتبار.

ثم إن مما نراه سؤالاً مهماً في هذا المقام أن يقال لنا: هل يكون المتعلّم بالضرورة مثقفاً؟ وهل يكون المثقف بالضرورة متعلماً؟

إن للانثروبولوجيين ما يؤكدونه من وجود مجتمعات أميّة غير متعلّمة, ولكنها على قدر يلفت الانتباه من الثقافة بما هي ذائقة واسلوب حياة. كما أن في المشتغلين بأزمة الحضارة الغربية المعاصرة (التي تتفجّر علوماً ومعارف) من امثال «شبنجلر» و»كولن ولسن» في كتابيهما – على التوالي – «تدهور الحضارة الغربية» و»سقوط الحضارة» مَنْ قد يذهب الى ان مظاهر المدنيّة قد تكون قشرة خارجية سرعان ما تتطاير جفاء وتذهب بدداً, كما حدث في نيويورك حين انقطعت كهرباؤها وتحوّلت الى غابة اسمنتية مظلمة لا يجوز مقارنتها بأي مجتمع بدائي.

ثم إن مما قد نتبيّنه من معنى الثقافة, بعد الذائقة واسلوب الحياة أن نرى الى نمط العلاقات السائدة وان نتعرف الى «مكانة الانسان» فيها: أهو مكرّم أم مهين؟

ساعتئذ. قد نرى في معطيات التقدم التقني امتداداً «حداثياً» للاظفار والانياب, وقد نجزم بأن ثمة مجتمعات متقدمة في المعارف والعلوم متخلفة جداً في الثقافة.. وأنها لا تصلح لأن تكون انموذجات تحتذى بحال من الأحوال.